لم يكنُ يوم أمس السبت عادياً بالنسبة لمؤسسة “كهرباء لبنان” التي أعلنت صراحة أن الشبكة الكهربائية خرجت عن السيطرة وانفصلت بالكامل، وذلك بسبب شحّ مادة الفيول في معامل الانتاج التي توقفت عن العمل.
وبعيداً عن التفاصيل الفنية والتقنية، فإن ما حصل يعتبرُ كارثياً على صعيد البلاد، وما جرى يكشف عن أزمة بنيوية وفضيحة من العيار الثقيل يجبُ عدم التغاضي عنها أبداً وتتحمل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة وجميع وزراء الطاقة.
وخلال الساعات الماضية، كانت “كهرباء لبنان” تسعى جاهدة لإتمام عملية تنشيط الشبكة باللحم الحي، في حين تمّ تنشيط الاتصالات مع منشآت النفط في طرابلس والزهراني لشراء كمية من مادة الغاز أويل لزوم إعادة تشغيل معملي الزهراني ودير عمار. وبحسب بيانٍ مسائي لـ”كهرباء لبنان”، فقد تبين أنه ليس هناك من كميات من تلك المادة متوفرة لبيعها للمؤسسة، وعندها كان اللجوء إلى الجيش الذي أبدت قيادته استعداداً كاملاً لتسليم كمية إجمالية من الغاز أويل تبلغ 6,000 كيلوليتر مناصفةً بين كل من معملي الزهراني ودير عمار.
لماذا لم تستطع “كهرباء لبنان” الحفاظ على الشبكة؟
من دون أدنى شك، فإن تحرّك الجيش “أسعف” كهرباء لبنان لـ3 أيام فقط، وما يحصل يؤكد أن ملف الطاقة في لبنان يحتاج حلولاً جذرية. وعملياً، فإن ما حصل على صعيد الشبكة لم يكن مفاجئاً بل حذرت منه المؤسسة مراراً وتكراراً في بيانات عديدة علماً أنه حصل أيضاً بين يومي الخميس والجمعة أيضاً بحسب معلومات “لبنان24″، وكل ذلك يرتبط بتوفر الفيول الذي قلّ استيراده بشكل كبير. وفي ما خصّ النقطة الأخيرة، كشف وزير الطاقة وليد فياض في حديث لشبكة “CNN” أمس السبت، عن حصول وزارته “على موافقة مجلس الوزراء والمصرف المركزي للحصول على 100 مليون دولار كي تستدرج العروض لاستيراد الفيول”، وقال: “نتوقع أن يساعد هذا الأمر على رفع ساعات التغذية الكهربائية بحلول أواخر الشهر الجاري”.
ووسط كل هذا المشهد، فإنّه لا يمكن اغفال مسألة أساسية تتعلق بوضع الشبكة التي تعتبرُ متهالكة ومتداعية. وفي هذا الإطار، تقول عضو المجلس الإستشاري للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز “LOGI”، والخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة ديانا القيسي لـ”لبنان24” إنه “سبق وجرى التنبيه من أننا سنصل إلى انفصالٍ كامل للشبكة نظراً لعدم وجود صيانة مستمرة لها”، وأضافت: “لقد انتهى عقد شركة سيمينز للصيانة ولم يتم التجديد له منذ أكثر من سنة. كان المطلوب باستمرار صيانة المولدات الكبرى للطاقة في المعامل لكن هذا الأمر لم يحصل”.
ولفتت القيسي إلى أنّ “الشبكة الكهربائية لكي تعمل بشكل متناسب وغير ضعيف بوضعها الحالي، تحتاج إلى انتاج يتراوح بين 500 و 700 ميغاواط بالحد الأدنى، وهذا الأمر نبهت إليه شركة سيمنز في السابق”، موضحة أنّ “الأمر الأساس يتحدّد في الصيانة المستمرة بالشبكة، وهي خطوة لا يمكن فصلها عن صيانة المعامل المتهالكة”.
وهنا، تقول مصادر “كهرباء لبنان” لـ”لبنان24″ إنّ عدم القدرة في الحفاظ على الشبكة سببه أن الإنتاج قليل المرتبط بكمية الفيول، وأي توقف لمعمل وسط هذه الانتاج المتدهور سيؤدي إلى انفصال الشبكة حُكماً.
وأضافت المصادر: “على سبيل المثال، إذا كان انتاجنا 2000 ميغاواط وتوقف مولد ينتج 40 ميغاواط، فإن الشبكة لن تتأثر لأن نسبة انتاج المولد ليست كبيرة. ولكن عندما ننتج 500 ميغاواط وينفصل معمل يقدم بين 70 و 100 ميغاواط، فعندها سيكون التأثير كبيراً على الشبكة”. كذلك، أشارت المصادر عينها إلى أن “الحفاظ على استقرار الشبكة يتطلب انتاجاً عالياً، وهذا الأمر محكوم بتوفر مادة الفيول أويل بالدرجة الأولى، وأي تأخر بالحصول عليه سيؤدي إلى خلل كبير بالشبكة نتيجة تدهور الانتاج”.
ماذا عن عدد الساعات الإضافية التي سيحصل عليها لبنان من الفيول العراقي والغاز المصري والكهرباء الأردنية؟
وفي هذا الاطار، تقول القيسي إنّ لبنان يحصل شهرياً من العراق على 83 ألف طن من الفيول العراقي لزوم توليد الكهرباء وذلك بناء لاتفاقية بين بيروت وبغداد، موضحة أن “المشكلة لا تتحدد بالكمية فقط بل أيضاً بوضع المعامل على المدى الطويل خصوصاً أنها تحتاج إلى تأهيل”.
بدورها، تقول مصادر “كهرباء لبنان” إنّ “الفيول العراقي مع الغاز المصري وكهرباء الأردن يمكن أن يعطوا لبنان بين 8 و 12 ساعة إضافية”، مشيرة إلى أن “هذا الأمر قد يعتبرُ انجازاً بعد التدهور الحاصل حالياً”، وأضافت: “ما يحصل اليوم هو أن كهرباء لبنان تقوم بمداراة استخدام الـ84 ألف طن من الفيول العراقي، إذ تهدف إلى الاقتصاد في استعماله كي لا يتم صرفه بشكل سريع وبوقتٍ قصير”.
غير أن القيسي نبّهت إلى مسألة هامة تتعلق بسرعة معالجة خطوط الكهرباء بين الأردن وسوريا من جهة وبين سوريا ولبنان من جهة أخرى، معتبرة أن استصلاح تلك الخطوط يحتاج إلى وقتٍ ولبنان لا يمكن أن ينتظر إتمام تلك العملية من دون كهرباء. كذلك، تقول القيسي إن هناك ضبابية بشأن التمويل الذي سيحصل لبنان عليه لاستصلاح خطوط النقل الموجودة لديه لاستجرار الكهرباء عبر سوريا، مشيرة إلى أنّ “البنك الدولي لم يبت بعد بقيمة التمويل ولا بإمكانية إعطائه ولا أي شيء يتعلق به”.
ووسط ذلك، شددت القيسي على وجوب وجود خطة مستدامة للكهرباء، مؤكدة على ضرورة إنشاء معامل بأسرع وقت ممكن باعتبار أن “الترقيع” لا يُفيد بل يكلفنا هدراً إضافياً، وقالت: “الحل قد يكون مكلفاً والصعوبات كثيرة، وما يحصل مؤخراً يؤكد أنه لا يمكن الاستمرار بالواقع الحالي أبداً والأمر يحتاج لخطة بنيوية واضحة بعيدة عن الفساد والهدر”.