تسوق بعض المكونات السياسية لفشل حكومة “معا للانقاذ” وتقوم بذلك عن سابق تصور وتصميم بهدف ضرب أسس هذه الحكومة التي مضى على تشكيلها شهر واحد فقط، وتبقى الخشية من الهجمات المرتدة بين القوى المتخاصمة وارتداداتها على انتاجية الحكومة في المرحلة المقبلة، علما أن هناك شبه توافق حتى الساعة على التعيينات القضائية والدبلوماسية، لكن ثمة ملفات كالكهرباء وترسيم الحدود وتحقيقات المرفأ من شأنها ان تفجر الخلافات السياسية الراكدة على أكثر من خط وجبهة لا سيما بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من جهة ورئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة أخرى.
ان عودة سعر صرف الدولار للارتفاع حيث وصل الى عتبة 18 ألف ليرة حالياً، بعدما لامس 13 الف ليرة بعد تأليف الحكومة، ترده اوساط بارزة إلى قلق قوى اساسية من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولجوئها الى اللعب بورقة الدولار مجدداً في محاولة للضغط عليها ، خاصة وأن سعر الصرف يقترن بعوامل سياسية واقتصادية. فهناك من سارع إلى انهاء الصدمة الايجابية التي تلت تأليف الحكومة ونيلها الثقة عبر بث الأخبار عن خلافات حول ملفات عديدة تتصل بالاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي لتخلص الاوساط الى القول عن ارتفاع سعر صرف الدولار: من له المصلحة بذلك. ما تروحوا لبعيد. الأقربون أولى بالإشارة إليهم، فهؤلاء يعلمون جيدا أن ارتفاع الدولار سوف يتسبب بأزمة للحكومة فلجأوا إلى ذلك.
يحرص الرئيس ميقاتي على التهدئة مع الجميع لكي لا تتعرض حكومته للانتكاسات أو تتحول الى حلبة ملاكمة بين الأطراف المتخاصمة في سياق تصفية حساباتها ويدعو للاتحاد للتغلب على الأزمات. وفي هذا الاطار تستغرب مصادر سياسية معنية الحملة الممنهجة التي تتعرض لها الحكومة ووزراؤها الذين سيعرضون في جلسة مجلس الوزراء غدا رؤيتهم المتعلقة بوزاراتهم وخطط عملهم، اذ إن المنطق يفرض على المعنيين السياسيين إعطاء هؤلاء فرصة لتبيان الخيط الأبيض من الأسود بدل تحميلهم تبعات أزمة ليسوا مسؤولين عنها، فكل ما يحصل اليوم هو نتاج تراكمات متتالية وسياسات وممارسات خاطئة.
وفق المصادر نفسها، الحكومة مصرة على معالجة الواقع المالي والاقتصادي والمعيشي، ووزراؤها بدأوا العمل وفق أولويات محددة أبرزها تأمين المحروقات والكهرباء سواء عبر سلفات خزينة أو عبر التواصل المستمر مع الأردن ومصر وسوريا لاستكمال استجرار الكهرباء إلى لبنان، ربطا بالرؤى المطروحة للإصلاح المالي والاقتصادي والتي من شأنها أن تستعجل التفاوض مع صندوق النقد،
ومع ذلك، قد يكون من حق المواطنين الاستمرار برفع الصوت للمطالبة بانقاذ ما يمكن انقاذه على مستوى ودائعهم وحقوقهم، وتأمين المحروقات والكهرباء والدواء والسلم الغذائية بأسعار مدروسة، خاصة وأن الحكومات السابقة اغدقت وعودا بقيت حبرا على ورق. لكن ذلك، لا يصح على مكونات سياسية مشاركة في هذه الحكومة وتعاقبت على الحكومات السابقة من خلال تولي وزرائها حقائب سيادية واساسية، فتقصدها الهجوم على حكومة “معا للانقاذ” غير مبرر وغير مفهوم، الا اذا كانت تريد أن تفتح الدفاتر القديمة في ما بينها والعودة إلى النكايات والخطاب الطائفي والسجالات الإعلامية لزوم العدة الانتخابية.
أمام كل ذلك، يبدو أن حزب الله المكون شبه الوحيد الذي يدعم قولا وفعلا الحكومة الجديدة ويريد أن يعطيها الفرصة الكافية من أجل أن تقدم بداية حلول للمشاكل الملحة التي يعانيها اللبنانيون كما أكد رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين، في حين أن حلفاء الحزب قبل خصومه لا يتركون مناسبة إلا وينهالون من خلالها بالهجوم على الحكومة، وهذا يقود الى القول وفق المصادر نفسها: إن قوى بارزة لم تكن ترغب بتأليف أي حكومة خلال عهد الرئيس ميشال عون لولا الضغط الخارجي.
الأكيد أن الشهر الأول لحكومة ميقاتي كان صعبا خاصة وانه ترافق مع رفع الدعم عن البنزين وارتفاع اسعار الدواء والمولدات الكهربائية ناهيك عن ارتفاع سعر الصرف مجددا لكن الوقائع الراهنة تشير أيضا إلى أن هذه الحكومة لن تقف مكتوبة الأيدي، فهي عقدت العزم على تحمل المسؤولية وانقاذ البلد ووضع العمل الحكومي في سلم الأولويات من دون الالتفات إلى المزايدات السياسية المتصلة بمسألة الصلاحيات والعلاقة مع رئيس الجمهورية والتي سوف تتفاعل أكثر قبل موعد الانتخابات النيابية في إطار الخطاب التجييشي.