أقلّ من التوقّعات.. هل تشكّل الانتخابات العراقية “بروفا” للاستحقاق اللبناني؟

11 أكتوبر 2021
أقلّ من التوقّعات.. هل تشكّل الانتخابات العراقية “بروفا” للاستحقاق اللبناني؟

منذ سنوات، يُربَط الملفّان العراقيّ واللبنانيّ ببعضهما البعض. ثمّة من يعزو الأمر إلى “تشابه كبير” في الظروف والحيثيّات، فما يشهده البلدان متقارب إلى حدّ بعيد، بدءًا من تحوّلهما في وقتٍ من الأوقات إلى ساحة لتبادل “الرسائل” الإقليمية والدولية، وصولاً إلى تفشّي “وباء” الفساد فيهما، وانخراط  معظم الطبقة السياسية في منظومته.
 
من هذا المنطلق، تبدو كثيرة الأحداث التي تتكرّر، بل ربما “تستنسخ” نفسها بين البلدين، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، “الحراك الشعبي” الذي انطلق في العراق في مطلع تشرين الأول 2019، ولم يتأخّر في “التمدّد” نحو لبنان بعد أشهر قليلة، وقد رُفِعت في كلّ ساحات التظاهر، من بغداد إلى بيروت، الشعارات نفسها تقريبًا، الداعية إلى تغيير المنظومة السياسيّة بالكامل، وفرز خريطة سياسية جديدة تلبّي تطلّعات المواطنين.
 
قد يكون الفارق الجوهريّ الذي يسجَّل لصالح لبنان ربما، أنّ “الأمن” لا يزال مضبوطًا فيه إلى حدّ بعيد، خلافًا للعراق، الذي ورغم التحسّن الهائل الذي طرأ عليه في السنوات الأخيرة، منذ طرد تنظيم “داعش”، أو بالحدّ الأدنى تقليص خلاياه وتحجيمها، لا يزال يشهد توتّرات أمنية بين الفينة الأخرى، حتى إنّ التحرّكات الشعبيّة لم تخلُ من بعض “الهزّات الأمنية”، وصلت إلى مستوى “الاغتيالات” التي تعرّض لها بعض الناشطين.
 
انتخابات “باهتة”
 
في لبنان كما العراق، تكرّر مطلب الانتخابات النيابية المبكرة على ألسنة المتظاهرين منذ بدء الحراك الشعبي. لم يحصل اللبنانيون على مُرادهم، فيما ناله العراقيون متأخّرين، وقبل أشهر من الموعد المفترض لاستحقاقهم، بعدما قرّر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أنّ الانتخابات قد تكون “مفتاح الحلّ” للأزمات المتفاقمة.
 
لكنّ الانتخابات التي حصلت الأحد، لم تكن بالمستوى المأمول، حتى إنّ كثيرين وجدوا أنّ أفضل وصف ينطبق عليها، قد يكون أنّها جاءت “باهتة”، وأقلّ بكثير من التوقعات. لعلّ أهمّ ميزاتها تمثّلت في الإقبال الضعيف، ونسبة المشاركة الخجولة نسبيًا، والتي شكّل فيها المُسِنّون “قوة الثقل” الأساسيّة، بعدما اختار الكثير من الشباب، ولا سيّما أولئك المنادين بالتغيير منذ أكثر من سنتين، “المقاطعة” سلاح مواجهة لا غنى عنه.
 
وإذا كان الشباب يعزون هذه المقاطعة إلى القانون الانتخابي المُعتمَد، والمفصّل وفق ما يرى الكثير من الخبراء على قياس الطبقة السياسية، فإنّ كلّ التوقّعات تشير إلى أنّ نتيجة الانتخابات التي بدأت “بشائرها” بالظهور لن تحمل بدورها أي تغيير يُبنى عليه، بل يمكن القول إنّ المنظومة السياسية الحاكمة أعادت إنتاج نفسها بنفسها، مع بعض التغييرات الطفيفة التي قد تفتح المجال أمام “تكتيكات” جديدة، لا تمسّ بجوهر المعادلة.
 
سيناريو “متوقَّع”
 
قد لا يكون خافيًا على أحد أنّ هذا “السيناريو” متوقَّع بشدّة في لبنان، إذا ما حظي بـ”نعمة” إجراء الانتخابات، لا مبكرًا كالعراق، ولكن في وقتها، بعد أشهر قليلة. هنا أيضًا، تبدو نقاط التشابه كثيرة، بدءًا من قانون الانتخاب المجرَّب والمفصَّل على قياس الطبقة السياسية والأحزاب التقليدية نفسها، وصولاً إلى غياب “الحماسة” لدى شريحة الشباب تحديدًا التي تكاد تعلن “الاستسلام”، ولو أنّ الكثير من قوى “التغيير” تتأهّب لخوض الاستحقاق.
 
يقول كثيرون إنّ الانتخابات اللبنانية، رغم كلّ الرهانات المُبالَغ بها ربما، لن تخرج عن هذه “الضوابط” المحدَّدة سلفًا، ولو أنّ الظروف الحاليّة تجعل “النفور” من الطبقة السياسية عنوانًا مشتركًا لمعظم المواطنين، وحتى المحازبين بينهم، على وقع الأزمات المتفاقمة التي شهدوها في الأشهر القليلة الماضية، وقد أصبحوا بلا كهرباء ولا دواء ولا غاز، يواجهون غلاءً فاحشًا في الأسعار فاق كلّ قدراتهم حتى على “استيعاب” ما يحصل.
 
من هنا، يتّفق الخبراء الانتخابيون على أنّ “التغيير الكبير” مُستبعَد في الانتخابات، أولاً لكون القانون الانتخابي القائم على نظام “أكثري مقنّع” بعنوان “نسبيّ” يجعل مثل هذا التغيير “مستحيلاً”، من دون استبعاد بعض التغييرات “التكتيكيّة”، التي قد يكون لها الكثير من الدلالات، خصوصًا إذا ما شعرت القوى السياسية بأنّها “مهدَّدة” أكثر من أيّ وقت مضى، رغم كلّ نقاط “القوة” التي تمتلكها، ولطالما اعتقدت أنها “تحصّنها”.
 
صحيح أنّ كلّ التقديرات تشير إلى أنّ الاستحقاق النيابي المرتقب في النصف الأول من العام المقبل سيكون “نسخة” عن الانتخابات العراقية، بمعزل عمّا إذا كانت “طبق الأصل” أم “منقّحة”. إلا أنّ “المفاجآت” تبقى دائمًا واردة، وثمّة من لا يزال متمسّكًا بـ”أمل التغيير” الذي لا بدّ أن تفرزه انتخابات، هي الأولى بعد “حراك” 2019، لكنّها الأولى أيضًا بعد “انهيار” غير مسبوق شهدته البلاد، وانعكس على حياة الناس مباشرة!