نصر الله يرفع السقف.. ما “مصير” التحقيق بانفجار المرفأ؟

كتب المحرر السياسي:
مجدّدًا، صوّب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله على المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، لكنّه لم يكتفِ باتهامه بـ”التسييس”، بل رفع السقف أكثر من السابق، مطالبًا مجلس القضاء الأعلى بالتحرك، وإذا لم يفعل فعلى الحكومة أن تعالج الملف، “بما أنه لا محكمة تريد البتّ بطلبات الرد وكفّ يده عن الملف”.
 
بـ”الاستنسابية والتسييس”، اتهم نصر الله القاضي البيطار مجدَّدًا، ملمّحًا إلى أنّه يستهدف فريقًا سياسيًا محدّدًا، باعتبار أنّ استدعاءاته لم تكن شاملة، وقد انحصرت بفئة معيّنة، مع استثناء وزراء شغلوا المناصب نفسها لمن تمّ استدعاؤهم مثلاً قبل الانفجار الآثم، حتى إنّه لم يستمع لإفادة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي “تطوّع” للإدلاء بها.
 
ومع أنّ هناك من يشير إلى أنّ الاستدعاءات لم تشمل حتى الآن سوى من “ثبُت خطيًا” أنّهم كانوا على علم بالمواد المخزّنة في المرفأ قبل الرابع من آب، ذهب السيد نصر الله بعيدًا في هجومه على القاضي البيطار، معتبرًا أنّه “يعمل بالسياسة وبالاستهداف السياسي، ولا يريد أن يصل إلى الحقيقة بهذا الملف”، بل أنّه يتعاطى على أنه “الحاكم بأمره” في الملف.
 
ما سبب “التصعيد”؟
 منذ المرّة الأولى التي وجّه فيها الأمين العام لـ”حزب الله” سهامه نحو المحقق العدلي، وُجّهت الكثير من الانتقادات للحزب، الذي اتُهِم بلعب دور “راعي وحامي المنظومة السياسية”، خصوصًا أنّ الاتّهامات لم تشمل حتى الآن أيّ قياديّ في صفوفه، وقد اقتصرت الاستدعاءات على بعض “الحلفاء” الذين لم يصعّدوا أساسًا كما فعل السيد نصر الله.
 
أما ردّ المحسوبين على “الحزب”، فكان أنّه “يستشعر” بنوايا مبيّتة تبدأ ترجمتها من خلال استدعاء وزراء مقرّبين منه، وتترافق مع كمّ من “الإشاعات” في البلد عن دور “حزب الله” في تخزين نترات الأمونيوم، وقد بلغت ذروتها مع أحد “الشهود” الذي روى عبر الإعلام كيف كلّفه الحزب بعملية النقل، من دون أن يُعرَف كيف تعامل القاضي مع شهادته، فهو لم يوقفه بوصفه “شاهد زور”، ولم يستدعِ أحدًا من الحزب بما يدلّ على أخذها محمل الجدّ.
 
ولعلّ “التصعيد” الذي برز في نبرة ولهجة الأمين العام للحزب بالأمس يتوّج هذا المسار، علمًا أنّ خلفيّاته الحقيقية قد تكمن في المسار الذي أخذته القضية مع رفض قرارات “كفّ اليد” من جانب محكمة التمييز، علمًا أنّ نصر الله الذي دعا مجلس القضاء الأعلى والحكومة إلى التحرّك أقرّ بذلك، حين برّر دعوته بأنّه “لا محكمة تريد أن تقبل طلبات الردّ وكفّ يد القاضي البيطار عن الملف”.
 
“السيناريوهات” المتوقّعة
يرى كثيرون أنّ كلام السيد نصر الله هذا فتح الباب أمام تطورات “نوعيّة” قد يشهدها ملفّ التحقيق بانفجار مرفأ بيروت في الأيام القليلة المقبلة، ولا سيّما خلال هذا الأسبوع “الفاصل” عن افتتاح الدور العادي لمجلس النواب في التاسع عشر من الشهر الجاري، ولو أنّه من المُستبعَد أن يسلك المسار القضائي الذي فتحه المحقق العدلي طريقه، مع رفض الوزراء المدّعى عليهم المثول أمامه بأيّ شكل من الأشكال.
 
لكنّ العارفين، الذين لا ينكرون أنّ القرار بـ”تطيير” القاضي البيطار اتُخِذ من جانب قيادة “حزب الله”، ولا سيما أنّ كلام نصر الله أكثر من واضح في هذا المجال، يستبعدون تمامًا أن تستجيب الحكومة لدعوته للتحرك، علمًا أنّ قانونيّين يلفتون إلى أنّ لا قدرة عمليّة للحكومة على “عزل” المحقق العدلي، ولو أنّها تلعب دورًا في تعيينه من خلال وزير العدل، بموافقة مجلس القضاء الأعلى بطبيعة الحال.
 
ولكن، حتى لو جاز ذلك قانونًا، ثمّة “موانع” عدّة تمنع الحكومة من أيّ تحرّك من هذا النوع، وفق ما يقول المتابعون، أولاً لأنّ الموضوع محور انقسامات وتجاذبات حتى بين مكوّناتها، وبينهم من لا “يستسيغ” أبدًا الهجوم على المحقق العدلي، ويدعو لدعمه والدفاع عنه، وثانيًا لأنّ مثل هذا النقاش “غير شعبيّ” على الإطلاق، بل قد يفتح أبواب “جهنّم” أمام الحكومة، التي تسعى لتصوير نفسها “منقِذة ومخلّصة”، لا أن تصبح “في قفص الاتهام”.
 
بين “المهلّلين” للقاضي البيطار، الذين لا يفوّتون مناسبة للإشادة به وبقراراته، و”المعترضين” عليه، الذين يسعون صراحةً لـ”قبعه” من منصبه، يبدو واضحًا أنّ “تسييس” التحقيق بتفجير مرفأ بيروت قد أضحى واقعًا، في وقتٍ تتصاعد الدعوات لـ”ترك القاضي يعمل”، على أن يُبنى على الشيء مقتضاه عندما يُصدِر قراراته، وعندها فقط إمّا “يُكرَم أو يُهان”!