لا خيار أمام الحكومة سوى إجتياز “قطوع البيطار” بأقل الأضرار

14 أكتوبر 2021
لا خيار أمام الحكومة سوى إجتياز “قطوع البيطار” بأقل الأضرار

في أول إمتحان لها منذ تشكيلها، واجهت حكومة “معًا للإنقاذ”، وهي لا تزال تتلمس خطواتها الأولى، اختبارًا صعبًا، بعدما فرض ملف التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت نفسه بندًّا أولّيًا طغى على ما عداه من ملفات ملحّة على طاولة مجلس الوزراء، فخلط  أوراقه وأولوياته، وكاد أن يفّجر جلسة الثلثاء.
مما لا شك فيه أن هذا التطور غير المحسوب داهم رئيس الجمهورية العماد ميشال وتسبّب له بالكثير من الإحراج، لأنه وُضع في أول مواجهة فعلية مع حليفه “حزب الله”، مع ما يُعرف عنه رفضه أن يُعامل بهذا الأسلوب في التعاطي والتخاطب، إن لجهة إستخدام لغة التهديد والوعيد والدفع الى إتخاذ القرارات تحت الضغط والإبتزاز، أو لجهة المّس بمبدأ فصل السلطات، حيث أن السلطة التنفيذية تقتصر مهمتها على إحالة قضية أنفجار المرفأ الى المجلس العدلي وتنتهي عند هذا الحد. وأما تعيين المحقق العدلي، فإنه من إختصاص السلطة القضائية، ويتم وفق مسار محدد بالإتفاق بين وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى. وأما القرار الذي يمكن لمجلس الوزراء إتخاذه فهو إلغاء القرار السابق بالإحالة الى المجلس العدلي، وهذا قرار يشفي غليل “الثنائي الشيعي”، ولكن لا طاقة للحكومة على اتخاذه في قضية بهذا الحجم تحّولت الى قضية رأي عام وموضع متابعة ومراقبة دولية. 
أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فهو يتموضع بحكمة في منطقة وسطية ، ويوازن بدقة بين مقتضيات إحتواء غضب “الثنائي الشيعي” ونقمته العارمة، وبين إنقاذ حكومته والحؤول دون تحّول هذا التصدع المفاجئ والإهتزاز العنيف الى شرخ عميق وسقوط مدوٍ.
 فالرئيس ميقاتي، الذي يتشارك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في الملاحظات والتحفظات بشأن أداء المحقق العدلي ومخالفته بعض النصوص الدستورية والقانونية، كان له بحثّ معمّق مع الرئيس عون عن تسوية ومخرج قانونين يهدئان الوضع ويمنعان إنفجار الحكومة من الداخل. وعلى هذا الأساس تمّ إرجاء موعد جلسة الأمس إلى وقت لاحق لمزيد من التشاور، لأن البلد لا يحتمّل أي خضّة من هذا النوع، وهو يحتاج في هذا الوقت بالذات إلى التضامن الحكومي أكثر من أي وقت مضى، لأن ما ينتظر الحكومة أهمّ من أي أمر آخر، على رغم أهمية هذا الموضوع. فالأهمّ يأتي قبل المهمّ. وهذا ما يجب أن تقوم به الحكومة بدلًا من التلهّي بأمور يمكن التوافق عليها خارج إطار التحدّي والتهديد. فالوضع الذي تعيشه البلاد لا يحتمل أي إنتكاسة.
ولكي لا تؤثرّ هذه الصدمة على صورة الحكومة فإن العمل منصّب في الوقت الحاضر، وفي شكل سريع وبكثير من التعقّل والحكمة، على معالجة تداعيات هذا الأمر، على رغم أن بعض المصطادين في المياه العكرة سيحاولون إستغلال ما حصل في جلسة مجلس الوزراء لضرب الثقة الشعبية والدولية بالحكومة، وهي أصلًا ثقة مشروطة بإنجازات وإصلاحات رأى فيها المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي ساروج كومار أنها سجلت بعض التقدّم.
المهمّ في هذه المرحلة بالذات الإبتعاد قدر المستطاع عن أجواء التصعيد والتوتير والتلويح باللجوء الى الشارع ولعب الورقة الأمنية. 
فكما إستنفرت الدولة أجهزتها الأمنية للبحث عن الطائرة المدنية التي سقطت في البحر أمس، هكذا يجب أن تكون الحال اليوم بالنسبة إلى الوضع السياسي، لأن المطلوب تحقيق العدالة في إنفجار المرفأ وليس تفجير البلد.