بين تطيير محقق عدلي يُعتبر أصولاً “سيد الملف” الذي يتولّى التحقيق فيه وهو من يرسم خريطة مساره، وتعطيل اجتماع حكومة حديثة الولادة لم تلتقط أنفاسها بعد للبدء بتطبيق الخط البياني للمهام التي وضعتها نُصب عينيها تحت عنوان “معاً للإنقاذ”، أعاد يوم الرابع عشر من تشرين الأول نبش الذاكرة الجماعية اللبنانية ليُخرِج منها صور المآسي والأوجاع التي عاشها اللبنانيون على مدى ٤٥ عاماً حروباً واهتزازات أمنية ونكسات ونكبات.
“واقعة الطيونة” بالأمس أوقعت الحكومة في مأزق المواءمة بين تضامن أعضائها من جهة والعودة الى مهامها الأساسية من جهة أخرى، فأُلقيت عليها مسؤولية إيجاد مخرج قضائي مشرّف يرتكز الى قوس السلطة القضائية الدستورية لتنحية المحقق العدلي الثاني القاضي طارق البيطار بعد القاضي فادي صوان في جريمة انفجار المرفأ وتعيين بديل عنه، في وقت يعلم فيه القاصي قبل الداني أن لا صلاحية للحكومة في كفّ يد المحقق العدلي إنطلاقاً من مبدأ فصل السلطات الذي من المفترض أن يكون نقطة الإرتكاز في كل القرارات وعلى كافة الصعد، وبالتالي لا يمكن لمجلس الوزراء أن يضع يده من تلقاء نفسه على هذه القضية أو أي قضية أخرى ناشئة عن جريمة واقعة على أمن الدولة كما جريمة المرفأ، وهو ما يُعتبر شرطاً أساسياً للإحالة على المجلس العدلي، علماً أنه يعود تقدير هذه الإحالة لمجلس الوزراء، وإلا يبقى القضاء الجزائي العادي هو المرجع الصالح للتحقيق والمحاكمة.
واذا كان من حق المتضرّرين من قرارات القاضي البيطار استخدام كل المسالك التي يسمح بها القانون، الأمر الذي يقومون به عملياً مع تقديم طلبات نقل الدعاوى وكف اليد للارتياب المشروع أمام المحاكم، إلا أن هذه المسالك لم ترتقِ بعد الى مستوى الوقائع، وبناء عليه يبقى للمحقق العدلي كامل الصلاحية في استكمال ملفه الذي يُحكى أنه قطع مرحلة متقدمة من التحقيقات على رغم وصف البعض بأنها تحقيقات عرجاء، وبالتالي على القاضي البيطار عدم التباطؤ في إصدار قراره الإتهامي المبرم الذي من المفترض أن يتضمن في متنه تجريم المتّهمين وإحالتهم أمام المجلس العدلي ليُحاكموا بما نُسب اليهم.
البلد أمام مأزق بالغ الخطورة بعد أن أعاده “الخميس الأسود” من دوار الطيونة الى دائرة الفتنة والتهجير وقناصة السطوح، ويبقى الدعاء بالرحمة للضحايا الذين سقطوا بالأمس، والعزاء للشعب اللبناني الذي لم يبقَ له سوى الالم والحِداد.
المصدر:
لبنان 24