هل اللبنانيون هم أحفاد سيسيفوس (*)؟

18 أكتوبر 2021
هل اللبنانيون هم أحفاد سيسيفوس (*)؟

يبدو أن قدر اللبنانيين مذ أن تتّفتح عيونهم على هذه الدنيا هو حتّمي، بمعنى أن ثمة لعنة تلاحقهم منذ لحظة ولادتهم حتى مماتهم، وهذه اللعنة تشمل الجميع على حدّ سواء. وهنا يختلف المنظّرون حول تفسير معنى هذه اللعنة، إذ يعتبر البعض أن العيش في لبنان نعمة بحدّ ذاتها، وذلك لما فيه من ميزات غير موجودة في اي بلد آخر على رغم المآسي المتتالية التي يعيشها اللبنانيون. أمّا الذين يميلون إلى الإعتقاد أن اللعنة التي تلاحق اللبنانيين غير موجودة في أي بلد آخر، وهذا ما يجعل العيش في لبنان معاناة مستمرّة، فهم يؤكدون أن إستمرار الحال على ما هي عليه يجب أن تتوقف عند حدود معينة ولا تتخطّى الكرامة الإنسانية. 
وهنا تستحضرني مداخلة للأب الدكتور جورج حبيقة، يقول فيها “إن مشهد شعب لبنان ينوء من فترة إلى فترة تحت ثِقَل مصائب التاريخ ويتحمّلها ببطولة خارقة ويندفع من جديد في محاولة تطويع القدر الظالم، والانطلاق مرة أخرى في ورشة بناء وطن يليق بجلجلة اللبنانيين على مرّ الزمن”. ويستشهد للتعبير عن هذه المشهدية بقصة سيسيفوس الشهيرة في الأساطير اليونانية. ماذا تقول الأسطورة؟ 
يُروى أن سيسيفوس كان مولعًا بالإنجازات الخارقة، فما كان منه إلا أن تجاسر وشيّد قصرًا من الخيال على تلة مدينة قورنثية. هذا التمادي في تخطّي إمكانات الانسان المحدودة، أثار غضب الآلهة ودفعهم إلى الاقتصاص منه بأسلوب جائر لا تدانيه الرحمة بأي شيء. كان لزامًا عليه أن يدفع بالصخرة من قعر الجحيم إلى قمّة جبل شامخ، وما كاد يصل بشَقِّ النَفْسِ إلى تلك القمّة حتى تهوي الصخرة من جديد إلى الهاوية السحيقة. وهكذا كان عليه أن يعيد الكَرَّة إلى ما لا نهاية. إنه عود على بدء أبدي. 
في الخلاصة، إن قصّةَ سيسيفوس تجسّد عبثية الجهود المبذولة لتحقيق مشروع محظور أو مستحيل.
وهنا نتساءل بحق، مع الأب حبيقة، هل اللبنانيون هم أحفاد سيسيفوس، يسعون أبدا إلى إصعاد لبنانهم من القعر إلى واحات الحياة المزدهرة، وما إن يقتربوا من الهدف حتى يُفلِت بلدهم من أيديهم ويتدحرج متصدّعا ومحطّما إلى الهوّة؟ هل هذا قدرهم أن يحاولوا أبدا بناء وطن ممنوع أو متعذر تحقيقُه، أو بتعبير آخر، مُحرم أو مُحال؟ هل هذا قدرهم أن يسعوا دائما إلى بناء وطن للإنسان، وتتلاشى جهودهم في حلقة مفرغة من النجاحات المجيدة والانتكاسات الكبيرة؟
هذه التساؤلات تدفعنا حتمًا إلى مراجعة ما حدث في يوم 14 تشرين الأول من العام 2021، وقبله في 13 نيسان من العام 1975، وكأن التاريخ يسخر منا، ويعيدنا من حيث لا ندري إلى نقطة بداية الإفتراق وتعميق الشرخ القائم بين اللبنانيين بدلًا من تثمير نقاط التلاقي بينهم، وهي كثيرة.
فلكل فريق من الأفرقاء اللبنانيين، الذين لا تجمعهم رؤية واحدة لمستقبل لبنانهم، رواية مختلفة عن رواية الآخر عمّا حصل ويحصل كل يوم على أرضهم. وكلٌ يروي القصّة وفق ما تمليه عليه مصالحه الخاصة وإرتباطاته الخارجية، ولكلٍ منهم تحليلاته وإستنتاجاته، من دون الأخذ في الإعتبار مصلحة الدولة المركزية المتضررة الوحيدة من كل ما يجري وما سبقه وما سيليه.
فلو حسب الجميع حسابًا للدولة لما كان حصل ما حصل. ولو أن الجميع يعملون لتقوية الدولة بكل أجهزتها المدنية والعسكرية بدلًا من تقوية “دويلاتهم”، ولكلٍ منهم “دويلته”، لما كان حصل ما حصل، ولما كان الجميع يستوطون الحائط الواطي لهذه الدولة التي يقترعون على ما تبقى من ثيابها. ولما كان أحد يفكّر كل يوم ألف مرّة في أن يهاجر ويترك وراءه وطنًا أحّبه بكل جوارحه.
Le mythe de Sisyphe(*)