“أعادت الاشتباكات المسلحة التي اندلعت فجأة يوم الخميس بين المجموعات المتناحرة في بيروت ذكريات الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 عاماً. فتجسد المشهد بالقناصة الجاثمين على أسطح المنازل مطلقين النار على المتظاهرين، كما وبالمسلحين الملثمين المجهزين بأسلحة آلية وقذائف صاروخية مالئين الشوارع فجأة. وتسبب هذا الوضع بالذعر، خاصة في المدارس”، وفق توصيف صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في مقال .
وقالت “سرعان ما اتخذت المعركة منحى طائفيا، فألقى كل من حزب الله، وهو مجموعة مدعومة من إيران، وحليفه الشيعي “حركة أمل” باللوم على حزب “القوات اللبنانية” متهمينه بالتحريض على القتال باستخدام القناصة. وكانت المجوعات الثلاث قد لعبت دوراً رئيسياً في الحرب الأهلية التي انتهت في العام 1990″.
بحسب الصحيفة” لم تكن الاشتباكات والتي أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة العشرات السبب الوحيد الذي أعاد مشاهد الحرب الأهلية إلى الأذهان. فساهمت الموروثات المركزية للصراع، وذلك بعد العفو العام الذي سمح للمجموعات الطائفية وأمراء الحرب في لبنان بعدم تحمل المسؤولية عن “جرائمهم” كما وبتقسيم المؤسسات العامة وتوسيع شبكات المحسوبية الخاصة بهم، بترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب للنخبة السياسية في لبنان. فبعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب، لا يزال القادة والأحزاب أنفسهم يحتفظون بالسلطة ويواجهون كل تحدٍ لسلطتهم، وذلك غالباً عن طريق تأجيج الطائفية وشبح تجدد القتال”.
وتابع المقال” وتأتي الاشتباكات في الوقت الذي تنهار فيه الدولة اللبنانية في ظل ثلاث أزمات مترابطة: انهيار اقتصادي، والذي صفه البنك الدولي على إنه قد يكون من بين أشد ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر،والشلل السياسي، حيث تواصل الأحزاب الطائفية في البلاد القتال على غنائم النظام المفلس، وتحقيق معطل في الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت في آب 2020، وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وألحق أضرارًا بمليارات الدولارات”.اضاف المقال” على الرغم من مرور عامين من الاحتجاجات المتقطعة جراء الانهيار الاقتصادي، فإن أكبر تهديد للنخبة السياسية اليوم هو المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ طارق البيطار الذي يحقق في سبب تجاهل كبار المسؤولين اللبنانيين التحذيرات لسنوات من أن 2750 طنًا من نيترات الأمونيوم تم تخزينها بشكل غير صحيح في مستودع في ميناء بيروت إلى أن تسبب المخزون في واحد من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ. حاول القاضي، دون جدوى، استجواب رئيس الوزراء اللبناني السابق حسان دياب، الذي استقال مع حكومته بعد أسبوع من كارثة الميناء. لكن البيطار طلب بعد ذلك من البرلمان رفع الحصانة عن ثلاثة نواب خدموا في حكومات سابقة: وزير المالية السابق علي حسن خليل، وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، ووزير النقل السابق غازي زعيتر. كما وطالب القاضي باستجواب اثنين من أقوى قادة الأمن في البلاد: مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم ، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا”.وتابع “من خلال استهداف أعضاء النخبة السياسية، يشكل البيطار تهديدًا غير مسبوق لنظام ما بعد الحرب الأهلية في لبنان المبني على العفو وفقدان الذاكرة. إنه يسعى إلى المساءلة في بلد يعاني من التدخل السياسي الذي يقوض النظام القضائي.وقد حشدت معظم الأحزاب الطائفية اللبنانية لتقويض القاضي وتحقيقاته. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، صعد قادة حزب الله من انتقادهم البيطار ودعوا إلى إقالته. في 12 تشرين الأول، أصدر البيطار مذكرة توقيف بحق خليل، عضو البرلمان الحالي والمسؤول البارز في حركة أمل، بعد رفضه المثول للاستجواب. وردا على ذلك دعا حزب الله وحركة أمل أنصارهما إلى النزول إلى الشوارع يوم الخميس للمطالبة بإقالة القاضي بعد أن رفضت المحكمة العليا في لبنان عزله”.وتابعت الصحيفة، “لسوء الحظ، فإن الأشباح الطائفية والمخاوف من تجدد الحرب الأهلية التي اندلعت في بيروت هذا الأسبوع يمكن أن تسرع بإزاحة البيطار، من خلال السماح لحكام البلاد بالقول إن التحقيق في قضية المرفأ قد ساهم في حالة من عدم الاستقرار، وهو بمثابة صرف الانتباه عن حل الأزمات المتعددة في لبنان”.وختمت الصحيفة، “اليوم، على اللبنانيين قبول الخيار الوحيد المقدم من قبل الأحزاب الحاكمة وأمراء الحرب السابقين: تغاضوا عن المساءلة في انفجار المرفأ أو تحضروا لصراع شامل في الشوارع. ومنذ نهاية الحرب الأهلية، كان هذا الخيار هو الخيار الخاطئ والذي يتمثل بين الإفلات من العقاب أو الفوضى. تنازل اللبنانيون عن المساءلة قبل ثلاثة عقود، ومع ذلك فشل حكامهم باستمرار في توفير الاستقرار”.