كتب المحرر السياسي: صحيح أنّ البلاد دخلت، افتراضيًا، زمن الانتخابات، التي بدأت حساباتها تطغى على كلّ شيء، بدليل “المزايدات الشعبوية” التي تكثّفت في الأيام الأخيرة، معطوفة على مشهد “التجييش والتحريض” الذي أخذ مداه، إلا أنّ كلّ ذلك لا يعني أنّ إجراءها قد أصبح محسومًا فعلاً، ولو أنّ الحكومة باشرت عمليًا بواجباتها لإتمامها بكلّ شفافية.
ثمّة من يقول مثلاً إنّ تحديد موعد الانتخابات في 27 آذار بدل أوائل أيار كما كان مفترضًا، قد يشكّل “سابقة” من نوعها، باعتبار أنّ الانتخابات لطالما كانت تأتي على أبواب فصل الصيف، وهذا امر كان وحده كفيلاً بإيقاظ كلّ “الهواجس” التي وُضِعت جانبًا في المرحلة الأخيرة، ودافعًا نحو الاعتقاد بوجود “نوايا مبيّتة” خلف الكواليس.
وثمّة من “يستبشر شرًا” بمسار “الطعون” الذي قد يؤسّس له قرار مجلس النواب حول الانتخابات، الذي صدر دون توافق شامل، ولوّح رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل بـ”مواجهته”، ما يوحي بإمكان فتح “معركة” جديدة، قد تكون مشروعة دستوريًا، لكنّها قد تكون “خطرة” في ظلّ “ضيق” المهل التي زاد القرار من ضغطها.
مسار قانوني مفترض
الأكيد، وفق ما يقول العارفون، أنّ الوزير جبران باسيل لن يمرّر قرار البرلمان دون ردّ، حتى لو ترك المجال مفتوحًا للتراجع، بتسريبه أنّ الفريق القانوني في “التيار” سيدرس فرص قبول الطعن، قبل تقديمه رسميًا، وذلك لأنّ جلسة البرلمان وضعته في موقف “حَرِج” أمام جمهوره أولاً، بعدما ظهر “معزولاً”، يمثل “أقلّية” لا قدرة لها على التغيير، وهو موقف زادت تعليقات رئيس المجلس نبيه بري من وقعه على “العونيّين”.
يقول البعض في هذا السياق إنّه بمجرد أن يقول بري لباسيل، لدى اعتراضه على القرار، ما مفاده “صوتنا وخلصنا ومنمشي بالجلسة”، كافٍ ليقرّر رئيس “التيار الوطني الحر” أن يمضي في المواجهة حتى النهاية، حتى لو تيقّن من أنّها ستكون “خاسرة”، لا لشيء سوى لـ”فشّ الخلق”، والردّ على بري بأنّه “لا، ما خلصنا”، مستندًا إلى القانون الذي يتيح له، كما لكلّ ممثلي الشعب، الاعتراض على قرارات مجلس يبقى “سيّد نفسه”.
وإذا كان البرلمان “حصّن نفسه” سلفًا، وفق ما يقول المطّلعون، بتعديله المهل المنصوص عليها في القانون الانتخابي، والتي كان إبقاؤها على حالها سيعرّض العملية الانتخابية برمّتها للطعن والإلغاء، فإنّ مسار “الطعن” سيسبقه على الأرجح موقف من رئيس الجمهورية ميشال عون “يتناغم” مع موقف باسيل، وإن كان “السيناريو” شبه مرسوم سلفًا: يردّ الرئيس القانون خلال المهلة الدستورية، فيعيد المجلس التصويت عليه، ويصبح نافذًا.
انتخابات في آذار؟
بمُعزَل عن المعركة “القانونية”، التي تبدو في جانبٍ منها معركة “ردّ اعتبار”، قد لا تغيّر الكثير في المعطيات على الأرض، عادت الشكوك لترتفع بوجود “نوايا مبطنة” لدى كثيرين لتطيير الاستحقاق الانتخابي، ففكرة إجراء الانتخابات قبل موعدها، ولو من دون تقصير ولاية مجلس النواب، لم تَبدُ “مطمئنة” لكثيرين، فكيف إذا كان الاستحقاق سيجري في شهر آذار، أي أنّ المهلة الفاصلة عن الانتخابات لا تتجاوز خمسة أشهر؟!
يرى كثيرون أنّ اغلبية القوى السياسية لا تزال متّفقة على أنّها “غير جاهزة” للانتخابات، وإن كانت بدأت العمل على “التجييش” باعتباره “الوصفة المثالية” لاستعادة الجمهور الذي “كاد” يضيع منها، وهي بالتالي لا تزال تفضّل التمديد للبرلمان، لكنّها تبحث عن “المَخارِج”، في ظلّ أفكار تتفاوت بين ما هو لوجستيّ، نسبةً لموعد الانتخابات الذي ينطوي على “مجازفة”، وبين ما هو أمنيّ، وقد بدأت “بشائره” بأحداث الطيونة الأخيرة.
وإذا كانت الحكومة مُصِرّة على إجراء الانتخابات في موعدها، وفق ما تعهّدت في بيانها الوزاري، يؤازرها في ذلك قرار دولي “حازم” بوجوب الذهاب إليها، فإنّ هناك من يعتقد أنّ “الكرة” لن تكون في ملعبها، فإذا ما قرّر البرلمان غير ذلك، سيكون عليها التنفيذ، وهنا يُطرَح السؤال الأكبر، هل من نائب “انتحاري” سيتطوّع لتقديم مشروع التمديد للبرلمان، والذي سيمهّد لاتفاق الكتل الكبرى على “جريمة” أخرى بحق “الديمقراطية”؟
قد يكون مجرّد “التشكيك” بحصول الانتخابات قبل خمسة أشهر فقط من موعدها عاملاً سلبيًا لا إيجابيًا، علمًا أنّ مثل هذا “التشكيك” لا يمكن أن يأتي من “العدم”، ما يعني أنّه خاضِع للنقاش في الكواليس السياسية، نقاش تبقى دونه الكثير من “المحاذير” محليًا ودوليًا، وإن بقيت الرهانات على “متغيّرات” قد تتيح الخروج به في لحظةٍ ما، ربما تكون مؤاتية، تحت عنوان “الظروف القاهرة والحسّاسة”!