وعادت المياه الى مجاريها القضائية “قوموا تا نهنّي العدلية”، فقد تمت المصالحة بين المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات والنائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بعد أن ارتدى وزير العدل القاضي هنري الخوري “عباءة شيخ الصلح”، فأفضت مساعيه البعيدة عن الأنظار لتهدئة الوضع القضائي الى تقليص هوّة الخلاف الواسعة بين عون وعويدات، والتي استمرت شهوراً من القطيعة الحادة بين القاضيين، وتحديداً منذ نيسان الماضي حيث وصل الخلاف الى ذروته على خلفية ملف التحقيقات المالية، ثم دهم القاضية عون لمكاتب شركة مكتف للصيرفة في عوكر، مع “معلم تلحيم” ومجموعة من محازبي التيار الوطني الحر وكتيبة من الإعلاميين، في سابقة لم يشهد القضاء اللبناني مثيلاً لها.
وفي عودة سريعة الى الوراء، والى أصل الخلاف، أصدر القاضي عويدات قراراً حصر فيه متابعة الملفات المالية وجرائم القتل بثلاثة محامين عامين هم القضاة سامي صادر، طانيوس السغبيني وسامر ليشع، مسطّراً استنابات قضائية الى الأجهزة الأمنية التي تشكل عديد الضابطة العدلية للتقيد بقرار كفّ يد القاضية عون أي تجريدها من صلاحياتها في الملفات المشار اليها. وعلى الرغم من أن مجلس القضاء الأعلى وافق حينذاك على قرار القاضي عويدات إلا أن عون لم تتمثل، فماذا جرى أو بالأحرى ما الذي استجد اليوم، وكيف تمكّن وزير العدل من تدوير الزوايا ليحل السلام والوئام بين عون وعويدات، وهو أمر محبذ ومطلوب بالتأكيد حفاظاً على هيبة الهرمية القضائية؟
العارفون ببواطن الأمور يشيرون الى أن مجلس شورى الدولة الذي تقدمت القاضية غادة عون أمامه بطعن بقرار القاضي عويدات الذي جرّدها من صلاحياتها يتّجه الى قبول هذا الطعن وبالتالي الى كسر قرار النيابة العامة التمييزية، فقام عويدات بخطوة استباقية إستدراكاً لما قد يصدر عن هذا المجلس، وحفاظاً على الدور المرجعي والرقابي للنيابة العامة، فأعاد لعون صلاحياتها ومركزها لتستكمل تحقيقاتها في الملفات المالية ومنها ملف مكتّف، لكن بعيداً عن الإستثمار والهوبرة الإعلامية، وعملاً بمبدأ الطابع السري للتحقيق والتكتّم وعدم التشهير.
على مدى أشهر، شكلت ظاهرة عون- عويدات انعكاساً جلياً لحال الإنهيار التي يعيشها لبنان على الصعد كافة، ظاهرةٌ وقف أمامها الجسم القضائي والرأي العام اللبناني مذهولاً من مشهديتها غير المسبوقة، وبما أن الأمور في خواتيمها فيمكن القول بأن الصلحة تمت “وعقبال العايزين”.