قصّة من واقع حياتنا اليومية… هذه هي حكاية “السلاح الظاهر”!

23 أكتوبر 2021
قصّة من واقع حياتنا اليومية… هذه هي حكاية “السلاح الظاهر”!

هذه القصة هي قصّة واقعية عايشتها شخصيًا عندما كنت في لبنان ولم أسمعها من أحد آخر. هي واحدة من بين قصص كثيرة تنطبق على الواقع المأزوم الذي يعيشه لبنان حاليًا نتيجة التباين في وجهات النظر بين مختلف الفئات اللبنانية، وبالأخص بين من يعتبرون أنهم يختزلون المجتمع كله، من كلا الجهتين المتقابلتين. 

كما في كل المباني السكنية تقوم “لجنة بناية” برئاسة من يمكن إعتباره أكثر حكمة وتدبيرًا من غيره، وذلك من أجل تنظيم شؤون المبنى، ماليًا وإداريًا وتحسينًا وترميمًا وتطويرًا. 
صودف في المبنى الذي كنت أسكنه في منطقة وسطية من المتن الشمالي أن من بين أعضاء اللجنة عسكريا متقاعدا لا يتعدّى على أحد، ولكن لا يقبل بأن يتعدّى عليه أحد. فحقّه حق مقدّس. هو من خيرة “الأوادم”، لكنه ورث عادة سيئة نتيجة ربما تربيته العسكرية. فهو لا يخرج من منزله إلا ومسدسه على خصره، وعلى عينك يا تاجر، ويتباهى بأن سلاحه “مرخّص”. لم يستعمله ولا مرّة ضد أحد، ولم يهدّد به أحدًا على الإطلاق. لكن الناس والجيران تهابه وتحسب له ألف حساب، ويقولون في سرّهم “بعود عن الشرّ وغنيلو”، أو “ما تمشي بين القبور وما تشوف منامات بشعة”. 

هذه هي حال أهل “حارتنا” مع جارنا المسّلح، علمًا أنهم جميعًا يقتنون أسلحة في بيوتهم، ولكنها، كما يقولون ليس لـ”العراضة” أو التباهي، بل هي موجودة لوقت “الحشرة”، وللدفاع عن بيوتنا وأرزاقنا. لا نعتدي على أحد ولكن لن نسمح، أيًا تكن الظروف، بأن يعتدي أحد علينا، أو يتطاول أو “يتمرجل”. 
وعلى رغم ذلك فإن لـ “ابو الياس” (إسم مستعار) سطوة على الآخرين لأن سلاحه ظاهر، وهو لا يحتاج إلى تفتيش كما يقول الشاويش وليم حسواني في مسرحية  الأخوين رحباني “يعيش يعيش”، ولا أحد “بيسترجي” يقرر أي شيء قبل أن يدلي “شيخ الشباب” بدلوه، أو قبل أن يؤمىء برأسه، موافقة أو رفضًا. فكل “الشبيبة الناهضة” تريد “غبرة رضى “أبو الياس”. 
وهكذا اصبح جارنا “أبو الياس” متحكّمًا برقاب الجميع، من دون “بهورة” و”عنترة”، ومن دون أن يقصد ذلك، على رغم أن “الفكرة أسكرته” بعض الشيء. عيب “ابو الياس” الوحيد “أن سلاحه ظاهر”. وعبثًا حاول المقربون منه ثنيه عن هذه العادة السيئة، التي تجعل بعض أهالي الحيّ ينفرون منه أو يتضايقون بمجرد مروره من أمامهم، فلم يفلحوا، و”دقّوا المي مي”. وهذا المشهدّ ذكرّني ببعض “قبضايات” الحرب التي يسمّونها “أهلية”، حيث كانوا “يتمرجلون” على الكبير والصغير، وحجتّهم الوحيدة أنهم يضعون دمهم على أكّفهم وهم يدافعون عن الجميع، ويردّون عنهم أذى الأعداء، بالطبع من دون أن يكّلفهم أحد بذلك. 
هذه هي قصتنا ننهي بها أسبوعًا كان حاميًا، سياسيًا ومعيشيًا، حيث بلغت المواقف أعلى درجة من التصعيد الكلامي، الذي إدرج في خانة “الخميس الأسود”، وحيث بلغ أيضًا سعر صفيحة البنزين 321 ألف ليرة، مع ما يستتبع ذلك من إرتفاع جنوني في أسعار كل ما له صلة بحياة الناس اليومية من مأكل ومشرب وملبس. 
فإلى أن يقتنع “ابوالياس” بأن لا فائدة من حمل السلاح و”الكزدرة” به في الأحياء السكنية، يبقى القديم على قدمه، ويبقى الوضع على ما هو عليه إلى أن “يطلعلنا شي أبو الياس تاني.”