هذا هو المطلوب قضائيا ليكون “العدل اساس الملك”

24 أكتوبر 2021
هذا هو المطلوب قضائيا ليكون “العدل اساس الملك”

لم تكن مجرد صدفة أو بطريقة عرضية إختيار شعار أساسي للقضاء فكان أن العدل هو أساس الملك. ويذكر في هذا المجال أن  أحد الولاة كتب إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية. فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصّنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم. 

أمّا العدل عندنا في لبنان، وبسبب التدخلات السياسية في العمل القضائي، فقد أصبح مكسر عصا. لقد نشأنا جميعًا على “ثقافة” مفادها أن الزعيم الفلاني، وهو موجود في كل طائفة وفي كل حزب، قادر على أن “يفكّ حبل المشنقة”، أي أن في إستطاعته أن يغيّر حكمًا قضائيًا، أيًّا كانت درجة خطورة الجرم الذي إرتكبه المحكوم عليه بالإعدام. 
فهذا الزعيم بنى “أمجاده” على مدى قدرته على التدّخل في العمل القضائي، وقد ساعده في ذلك أن القضاة الذين كانوا يعينّون في مراكزهم الحسّاسة والمتقدمة كانوا يُعيَّنون إرضاء لهذا الزعيم أو ذاك المسؤول بالتساوي بين الجميع. ومن هنا بدأ الفساد. وليس مغالاة إن قلنا إن محاربة الفساد تبدأ أيضًا من هنا، أي من القضاء عندما يستقيم سيف العدل، ويصبح حقيقة لا قولًا أساسًا صالحًا للحكم. 

وعلى رغم المطالبات الكلامية فقط بضرورة إبعاد السياسة عن القضاء فإننا لا نزال نلمس، وكل يوم تقريبًا، تزايدًا في التدخلات الرفيعة المستوى في العمل القضائي، مباشرة أو بالواسطة، حتى أصبح التشكيك في القرارات التي يمكن أن تصدر عن هذا القاضي أو ذاك سمة معمّمة، بحيث بات المواطن المظلوم  والمهضومة حقوقه يخشى من “أن يأكل الفاجر مال التاجر”. 
في الماضي كانت لهذه التدخلات السياسية في العمل القضائي “أدبياتها” المتفق عليها، بحيث كانت تتّم من خلف الستارة، وتتخذ أشكالًا مختلفة، وتتراوح بين الترغيب والتهديد المبطّن.  
أمّا اليوم فغالبًا ما نرى كبار القضاة يتربعون في المجالس العامة، ويحّلون ضيوفًا معزّزين مكرّمين في المناسبات الإجتماعية، وهذا ما كان ممنوعًا في عهد الرئيس فؤاد شهاب، الذي فرض “نظامًا عسكريًا مرصوصًا” على جميع الذين كانوا يتولون مسؤولية ما في الشأن العام، بدءًا بموظفي القصر الجمهوري وصولًا إلى كبار الموظفين والقضاة وكبار الضباط في الأسلاك العسكرية، فكان القانون يجرّم كل موظف يقبل هدية في المناسبات العامة، أو يلبي دعوة إجتماعية. 
أذكر أن أحد الموظفين الكبار كان منتدبًا لمهمة رسمية في بلدته مغدوشة، وكان يستخدم سيارة تابعة للدولة. وبعد إنتهاء المهمّة طلب منه والده إيصاله في طريق عودته إلى صيدا، فرفض طلبه لأن السيارة التي يستخدمها في مهمة رسمية ليست له وهي للدولة، وبالتالي طلب منه إستئجار سيارة أجرة ليذهب بها إلى عمله. 
اليوم أصبحت التدخلات في العمل القضائي “على عينك يا تاجر”، ومن دون أن يرّف للمتدخّل جفن، ومن دون أن يشعر بأي حرج عندما يستحضر كل ما لديه من وسائل دعم لتبرير تدّخله السافر، وأصبح متل “يللي إستحوا ماتوا” من الماضي بعدما “طقّ شلش الحياء”. 
… وعلى رغم كل ذلك لا نزال نصرّ على القول إن العطّار لا يزال قادرًا على إصلاح ما افسده الدهر، فيرجع “لنا هذا الدهر ما كان في لبنان”.