كتب غسان ريفي في “سفير الشمال” مع تأليف حكومة ″معا للانقاذ″، حرص الرئيس نجيب ميقاتي على تحديد أولوياتها التي تمحورت حول وقف الانهيار، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، والقيام ببعض الاصلاحات الضرورية بما في ذلك ملف الكهرباء، والتصدي للأزمة الصحية، وإعادة وصل ما إنقطع مع الدول العربية، وإجراء الانتخابات النيابية لاعادة تكوين السلطة بما يمنح لبنان فرصة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي.
لا تمتلك أي جهة في لبنان مهما علا شأنها أو كبر حضورها الاقليمي والدولي مفتاح الانقاذ بمفردها، خصوصا أن التوازنات السياسية والحساسيات الطائفية والمذهبية والمناطقية التي تتحكم بالبلاد والعباد تجعل التوافق ممرا إلزاميا ووحيدا لأي مشروع مهما كان نوعه أو إختلفت عناوينه، لكي يبصر النور.هذا الواقع، يؤكد بما لا يقبل الشك، أن العملية الانقاذية التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ صبر، لا تقع فقط على عاتق حكومة الرئيس ميقاتي بل من المفترض أن تكون عبارة عن ورشة عمل وطنية يشارك فيها كل التيارات السياسية لا سيما أولئك الذين منحوا الثقة للحكومة لتكون آداة تنفيذية تحظى بالدعم السياسي اللازم وبالعمل على تسهيل مهمتها بازالة كل العراقيل والعقبات من أمامها لتنفيذ بيانها الوزاري والوصول بأمان الى الاستحقاق الانتخابي.
لا يختلف إثنان على أن المسؤولية الوطنية تقتضي في بلد يلفط أنفاسه الأخيرة بفعل إرتجال سياسي وفراغ حكومي قاتل إمتدا لنحو سنتين، أن تتخلى التيارات السياسية عن صراعاتها وخلافاتها ولو لفترة وجيزة، وأن تضع كتفا مع الحكومة للقيام بالخطوات المطلوبة لوقف الانهيار وذلك لتهيئة الأرضية للتنافس السياسي الذي من المفترض أن يبلغ ذروته في الاستحقاق الانتخابي الذي لا يمكن أن ينجح بدون حد أدنى من الاستقرار الاجتماعي.
واللافت، أن ما تشهده البلاد منذ تأليف الحكومة يتناقض كليا مع المسؤولية الوطنية، ومع كل المواقف الداعمة للحكومة التي جاءت بمهمة محددة هي الانقاذ وتأمين أبسط مقومات العيش الكريم للبنانيين، وهي لم تأت لحل أزمة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مع بعض التيارات السياسية في ملف تفجير مرفأ بيروت، كما لم تأت لتكون “شيخ صلح” بين الجهات المتناحرة التي تعمل على تسجيل النقاط على بعضها البعض ضاربة بعرض الحائط مصلحة البلد وناسه، وكذلك لم تؤلف لتكون شاهدة على حروب إلغاء تتجدد عند كل إستحقاق، أو معارك بين الحلفاء، وأيضا لم يكن يخطر ببال أحد أن يطل شبح الحرب الأهلية من المحاور التقليدية في الطيونة والشياح وعين الرمانة ليعطل الانقاذ لمصلحة السعي لتأمين الاستقرار والأمني والحفاظ على السلم الأهلي.
في غضون ذلك، يتحين بعض “القناصين” الفرص للتصويب على حكومة “معا للانقاذ” وإستخدام معاناة اللبنانيين المستمرة رغم تأليفها، عنوانا يطل به على أنصاره، لكسب شعبية هنا أو لمعالجة تراجع هناك، فيما لا يتوان البعض الآخر عن الافتراء لتغطية فشل الآخرين الذين أوصلوا الى البلاد الى الدرك الأسفل من جهنم.تقول مصادر سياسية مواكبة، إن الحكومة منذ نيلها الثقة عقدت ثلاثة إجتماعات وضعت في إثنين منها الخطوط العريضة لوقف الانهيار وشكلت اللجان التي من المفترض أن تعمل على تنفيذ بنود البيان الوزاري، وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإستكملت في إجتماعها الأخير أعضاء المجلس الدستوري وأجرت بعض التعيينات الادارية قبل حصول المشادات على خلفية قرارات القاضي بيطار وتعليق الجلسات.وتضيف هذه المصادر: إن الحكومة لم تتوقف عن العمل، وأن الوزراء الشيعة الذين كانوا سبب إشكال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لم يعلقوا نشاطهم في وزاراتهم وهم يحرصون على المشاركة بالاجتماعات التي يدعو إليها الرئيس ميقاتي الذي يحوّل السراي الكبير الى خلية نحل فيعقد اللقاءات الفردية والجماعية للوزراء وللمسؤولين المعنيين بالقضايا الملحة، لتسيير شؤون المواطنين وتسيير المرافق العامة والتحضير لمواكبة إجتماعات صندوق النقد الدولي.وتتابع هذه المصادر: إن الرئيس ميقاتي حريص على الحكومة وهو مستمر في آداء مهامه وفق القانون والدستور وبما تمليه عليه المسؤولية الوطنية، خصوصا أن هذه الحكومة هي الفرصة الأخيرة للبنان، وأن إستقالتها أو فشلها سيكون له تداعيات كارثية في ظل الاحتقان القائم، لذلك، فإن ميقاتي الذي يمتلك وحده زمام المبادرة بالدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، يدرس خطواته بتأن، تمهيدا لاستئناف الاجتماعات وتحقيق الانتاجية الايجابية المطلوبة.