السجال بين “أمل” و”الوطني الحر” يطغى على أحداث الطيونة.. إنها الانتخابات!

25 أكتوبر 2021

في مؤشّر “جدي” آخر على دخول البلاد موسم “الانتخابات”، برز خلال عطلة نهاية الأسبوع، السجال “المتجدّد” بين كلّ من “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، هذه المرّة على خلفية التعديلات الأخيرة التي أدخلها البرلمان على قانون الانتخاب، ورفضها كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي ردّ القانون لإعادة درسه، والوزير السابق جبران باسيل، الذي لوّح بالطعن بالتعديلات أمام المجلس الدستوري.

 
لعلّ التعليق الأبرز الذي رُصد على السجال المستجدّ، والذي بدأ من داخل أروقة البرلمان في الجلسة العامة، التي لم تَخلُ من “الزكزكات المتبادلة” بين رئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة، ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل من جهة ثانية، أنّه “طغى” على أحداث الطيونة الدموية، بل “تفوّق” على السجال “الموازي” المستمرّ بدوره بين كل من “حزب الله” وحزب “القوات اللبنانية”.
 
أكثر من ذلك، ثمّة من قال إنّ بري تراجع خطوة إلى الخلف في مواجهة “القوات اللبنانية”، تاركًا زمام الأمور على هذا الصعيد لقيادة “حزب الله”، وذلك لمقتضيات مواجهة “التيار الوطني الحر” التي تشكّل “الأولوية” بالنسبة إليه، ولم يتردّد البعض في هذا الإطار، بالحديث عن “قفز” بري فوق حادثة الطيونة، من أجل “التنسيق” مع نواب “القوات” حول الطريقة المُثلى لضرب “التيار”، وتحديدًا باسيل.
 
“التيار” يستغرب
 
يتبنّى “التيار الوطني الحر” هذه الرواية، وهو يعتبر أنّ ما حصل في جلسة مجلس النواب الأخيرة كان أكثر من واضح في هذا الإطار. فهو كان يعتقد أنّ بري سيحاول “مراعاته ومسايرته” على حساب “القوات”، بعد “الجريمة” التي ارتُكِبت في الطيونة، وموقف باسيل الواضح على صعيد إدانتها، فإذا به يتفاجأ بتفضيل رئيس البرلمان وضع يده بيد “القواتيين”، لمواجهة “التيار”، وضرب كلّ الإصلاحات التي ينادي بها على مستوى قانون الانتخابات، وصولاً لحدّ محاولة منع باسيل من الاعتراض، على قاعدة أنّ “التهديد مرفوض”.
 
يقول “العونيّون” إنّ ما حصل في جلسة البرلمان كان مُستغرَبًا، خصوصًا لجهة “الحِدّة” التي تعامل بها بري مع باسيل، الذي كان يمارس حقّه الطبيعي، بوصفه نائبًا، بالاعتراض على بعض البنود التي يجدها “التيار” مريبة، فعندما اعترض على تقريب موعد الانتخابات، قيل إنّ الأمر “صُدّق”، ولا داعي للنقاش بشأنه، وعندما رفض التعديل الذي فُرِض على تصويت المغتربين، ملوّحًا بالطعن، كان الردّ أنّ بري يقبل كلّ شيء إلا “التهديد”.
 
لكنّ ما كان مُستغرَبًا أكثر من هذه “الحِدّة”، وفق ما يقول المحسوبون على “التيار الوطني الحر”، كان بيان “حركة أمل”، الهجومي على “التيار” ورئيس الجمهورية في آنٍ، علمًا أنّ الانتقادات لم تكن موجّهة حصرًا للحركة أو بري، بل لكلّ من شارك في إقرار التعديلات، وبينهم حلفاء وأصدقاء لـ”التيار”. يقول هؤلاء إنّ موقف “التيار” كان عامًا ومبدئيًا وثابتًا، إلا أنّ الردّ حول القصّة لمعركة “شخصية”، وهذا أمر مُستغرَب.
 
“مزايدات وشعبوية”!
 
في مقابل رواية “التيار” هذه، رواية أخرى يتبنّاها خصومه، وبينهم المحسوبون على “حركة أمل”، الذين يعتبرون أنّ مشكلة “التيار” أنّه يلجأ مرّة أخرى إلى “المزايدات والشعبوية”، معتقدًا أنّه بذلك يستطيع “تعويض ما فات” واستعادة بعضٍ من “الشعبية التي ضاعت”، مع بدء “ضغط” الانتخابات، التي يخشى كثيرون من سيناريو “مبيّت” لتأجيلها أو تطييرها، من جانب “العهد” قبل غيره.
 
برأي هؤلاء، فإنّ التعديلات التي أدخِلت على قانون الانتخابات كانت بمعظمها لأسباب “لوجستية”، نظرًا لضيق المهل وقرب موعد الانتخابات، وهي لم تكن تحتمل الكثير من الأخذ والردّ، لأنّ الهدف منها “ضمان” حصول الانتخابات في وقتها، وعدم تعريضها لأيّ خطر غير محسوب، علمًا أنّ البنود الملغاة تحتاج لوقت، ومن شأنها لو بقيت وفق النص الأصلي، أن تعرّض العملية الانتخابية برمّتها للطعن، وبالتالي الإلغاء.
 
ويعتبر خصوم “التيار” أنّ مجرّد أن يكون “التيار” وحده دون كلّ الأفرقاء الذي لجأ إلى الاعتراض ورفع السقف بالشكل الذي حصل، يدل على أنّ “الخلل” لديه وليس لدى غيره، علمًا أنّ مصلحة كلّ القوى في الوقت الحالي، وقبل خمسة أشهر من الانتخابات، أن تلجأ إلى “المناورات الانتخابية”، لكنّ المصلحة العامة هي التي تطغى، والمطلوب اليوم القفز فوق بعض التفاصيل لصالح “ضمان” الأهمّ، وهو حصول الانتخابات.
 
إنّها الانتخابات. لعلّها الجملة التي ستتكرّر في المرحلة المقبلة كثيرًا، لفكّ الكثير من الألغاز، وتفسير الكثير من الوقائع. إنّها الانتخابات، الحجّة التي سيستخدمون كثيرون لتبرير سجالٍ هنا، وتصعيدٍ من هناك، على أساس أنّها “مقتضيات” اللعبة الديمقراطية. لكن قبل كلّ ذلك، قد يكون تأمين الحدّ الأدنى من الكرامة للمواطنين، أهمّ “مقتضيات” الانتخابات، فهل يحظى بالاهتمام المطلوب؟