الشقق بالدولار النقدي.. والأسعار إلى التراجع الحتمي في هذه الحال

26 أكتوبر 2021
الشقق بالدولار النقدي.. والأسعار إلى التراجع الحتمي في هذه الحال

استفاد القطاع العقاري من الأزمة المصرفيّة التي ظهرت منذ تشرين عام 2019، بحيث لجأ بعض أصحاب الودائع إلى شراء الشقق في بداية الأزمة بقصد تهريب أموالهم من المصارف، ساهم في ذلك، أنّ عددًا كبيرًا من المطوّرين العقاريين كانوا يرزحون تحت وطأة ديون مصرفية كبيرة، فقبلوا بعمليات البيع لقاء شيكات مصرفية، استخدموها لسداد إلتزاماتهم حيال المصارف.

 
هذا الواقع حرّك السوق العقاري، وحصلت عمليات بيع على نطاق واسع منذ سنتين، سجلت ارتفاعاً لافتاً بلغ 110.4% في العام 2020، بحسب تقرير صادر عن بنك عوده حول “القطاع العقاري في لبنان”.أشار التقرير إلى أنّ عدد عمليات البيع ارتفع من 27216 عملية في النصف الأول من العام 2020، الى 39274 عملية في النصف الأول من العام 2021، حسب آخر الإحصاءات الصادرة عن المديرية العامة للمساحة والسجلّ العقاري. غير أنّ بيع العقارات تراجع في الآونة الأخيرة وفق التقرير نفسه “نتيجة تراجع تداول الشيكات كوسيلة للدفع، وبعدما بدأ معظم البائعين يطالبون بالسداد إمّا بالدولار النقدي أو عبر حسابات خارج لبنان، من هنا، تراجعت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 0.7% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2021”.

 
أسعار الشقق، رغم انخفاضها، بقيت محافظة على ارتفاعات لا تتناسب والقدرة الشرائية وحالة الإنهيار المالي والإقتصادي في البلد.
 
اليوم مع تراجع الطلب هل ستنهار أسعار الشقق؟ وكيف سيكون عليه حال القطاع ومستقبله؟
 
تراجَع التداول بالشيكات المصرفية كوسيلة للدفع، بنسبة تتراوح بين 90 و95%، وفق ما أكّد لـ “لبنان 24” رئيس نقابة الوسطاء والإستشاريين العقاريين في لبنان ورئيس الإتحاد الدولي للعقاريين العرب وليد موسى “وفي حال حصل الدفع بالشيك المصرفي يُضرب السعر بست مرات وأكثر. اليوم معظم عمليات التسعير تتم بالنقدي، ويشتري من يمتلك القدرة على الدفع نقدًا. لكن هناك بعض الإستثناءات التي تقتصر على قلّة من المطورين العقاريين الذين لم يسدّدوا بعد قروضهم المصرفية، إمّا لأنّ حجم ديونهم كبير ولم يتمكنوا بعد من بيع العقار، أو أنّ هناك علّة معينة في العقار، ولكن هذه الفئة أضحت قليلة جدًا، إذ أنّ معظم العقارات بيعت منذ سنتين عبر الشيكات المصرفية”.
الأسعار هوت أكثر من النصف
 
أسعار العقارات شهدت انخفاضًا تراوح بين 50 و65% مقارنة مع الأسعار التي كانت سائدة قبل تشرين الأول 2019، وفق موسى “والأمور مستقرّة عند هذا المعدل، نظرًا لاستقرار سعر الدولار في السوق الموازية منذ فترة بين 15 و 20 ألف ليرة. بالمقابل إذا تدهورت الأوضاع المالية والإقتصادية أكثر، وقفز الدولار إلى حدود 40 ألف، سيشهد القطاع العقاري انهيارًا في الأسعار قد يلامس الـ 80%، كون السوق العقاري مرتبط بالحالة الإقتصادية بشكل مباشر، بمعنى أنّ الإنفراج الإقتصادي إذا ما حصل وإدى إلى الإتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، وتدفق للعملة الصعبة، ينعكس إيجابًا على القطاع العقاري، بالمقابل الإنهيار المالي والإقتصادي سينسحب على هذا القطاع بطبيعة الحال”.
 
من يشتري اليوم هم المغتربون اللبنانيون، خصوصًا أنّ القدرة الشرائية للمقيمين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة انعدمت “في حال حصل انفراج ما، تبعه استقرار سياسي اجتماعي وأمني، من المؤكد أنّ السوق العقاري سيتحرك نحو إعادة جذب المغترب ليستثمر في القطاع العقاري، مستفيدًا من فرصة تدني الأسعار، وهو الأمر الذي لا يحصل اليوم إلّا بنسبة ضئيلة”.
 
مقبلون على أزمة سكنية غير مسبوقة
 
يشير موسى إلى معضلة سكنية مزدوجة ستواجه الشباب اللبناني، تكمن في عدم قدرتهم على تملّك شقة بفعل تآكل قيمة الرواتب، معطوفة على استحالة دفع بدلات الإيجار أيضًا، التي لا زالت تفوق بكثير قدرتهم الشرائية. على سبيل المثال استئجار شقّة صغيرة عبارة عن استديو في بيروت لا تقل عن 200 أو 300 دولار، ومن يتقاضى راتبًا يبلغ 6 ملايين ليرة، سيكون عاجزًا عن استئجارها. من هنا سنشهد نزوحًا معاكسًا باتجاه القرى، وأيضًا عودة ظاهرة إقامة الزوجين عند الأهل. هذا الواقع ينذر بكارثة اجتماعية وشيكة وأزمة سكنية تحجبها المصائب الكبيرة التي تواجه اللبنانيين. بنظره نحن مقبلون على مرحلة شبيهة بتلك التي سادت في الهند، بحيث يتمّ تشييد الشقق ضمن مشاريع  تناسب الهنود غير المقيمين، ويتمّ تسويقها خارج البلاد، أما الهنود المقيمون فعاجزون عن الشراء، وهذا ما سيحدث في لبنان بظل التباعد الكبير بين القدرة الشرائية وأسعار الشقق.
 
خطة سكنية وإعفاءات ضريبية
 
هذا الواقع من شأنه أن ينعكس سلبًا على النشاط العقاري وفق ما يشير موسى “إذا بقيت الأمور على حالها سنشهد في السنوات المقبلة عدم وجود أي تطوير عقاري في لبنان”. والحل برأيه يكمن بإيلاء حق السكن الأهمية اللازمة “عبر تخصيص وزارة للإسكان والتخطيط، لا وزارة للتنمية الريفية كما نسمع، التي تأتي ضمن وزارة التخطيط، تضع الأخيرة خطّة وبرامج سكنية، من خلالها تدعم الدولة المطورين الذين يبنون مشاريع تباع بأسعار معقولة، وتقدّم لهم حوافز، كإعفاءات ضريبية تشمل مواد البناء المستوردة وغيرها من الضرائب”.
 
في ظل شبح الأزمة الذي يتمدّد ليهدّد عيش اللبناني وحقوقه، في مقدمها حق السكن، نذكّر المشرّعين أنّ في أدراج المجلس النيابي اقتراح قانون للإيجار التملكي، علّ وقتهم يسمح بإقراره، وعلّ المتقاتلين على الوزارات الدسمة مع كلّ تأليف حكومة، يلتفتون إلى وجوب تأليف وزارة للإسكان والتخطيط، كي لا يهاجر ما تبقى من الشباب اللبناني إلى أصقاع الأرض.