لا يمر وقت طويل إلا ويكون اسم المحكمة العسكرية في الواجهة مجدداً لما للملفات والقضايا التي تتسلمها من أهمية، من الإرهاب والتفجيرات لا سيما مسجدي التقوى والسلام في طرابلس إلى التعامل مع العدو الإسرائيلي وصولاً الى أحداث أمنية خطيرة وآخرها حادثة الطيونة.
فلم ينسَ اللبنانيون بعد القضايا الكثيرة في المحكمة العسكرية وأبرزها الموقوفون الإسلاميون في الشمال والشيخ أحمد الأسير بعد أحداث عبرا، وأخيراً وليس آخراً قضية العميل عامر الفاخوري واستقالة رئيس المحكمة العسكرية آنذاك العميد حسين عبدالله على خلفيتها، والتي فتحت سجالاً ونقاشاً حول الجدوى من استمرار المحاكم الاستثنائية خصوصاً في المحكمة العسكرية، والتي أعطيت صلاحيات في زمن الوصاية السورية لقمع كل من يخالف قرار المسؤولين السوريين آنذاك، وبقيت هذه الصلاحيات مع سيطرة “حزب الله” على الواقع اللبناني.
وعلى سبيل المثال فقد خرجت المحكمة العسكرية في بعض الأحيان عن وظيفتها واستنسبت محاكمة إعلاميين وصحافيين بسبب ما أتى في مقالاتهم والتي اعتبرت أنه يمس بالمؤسسة العسكرية أو بأي جهاز أمني.
ومع قضية استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى وزارة الدفاع للاستماع إلى إفادته في قضية أحداث الطيونة، يعود اسم المحكمة العسكرية الى الواجهة ايضاً بعدما ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على 68 شخصاً بالقتل والتحريض على الفتنة الطائفية من بينهم 18 موقوفاً في قضية الطيونة.
فيما أعلن الجيش اللبناني في بيان أن “مديرية المخابرات أنهت تحقيقاتها في أحداث الطيونة وأحالت الملف مع الموقوفين على النيابة العامة العسكرية”.
ورأت مصادر قضائية في القرارات القضائية التي تتخذ في هذه الفترة بأنه زمن القحط والمكر والفساد وعدم وجود منطق، ووصفت القاضي عقيقي بأنه يتمتع بشخصية عنيدة ونكدة محذرة من أن قضية أحداث الطيونة بالذات قد تحرق اسمه لما لها من أبعاد سياسية، ولأنه يرضي طرفاً بعد الطلب منه ولا سيما أن موقع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، تلازمه صفة أنه يقوم بما يمليه عليه او يرغب فيه “حزب الله”.
واشارت المصادر الى أن عقيقي قد يكون ترك شكاً في القضية وفتح محضراً إضافياً لاستدعاء جعجع من دون استدعاء غيره، واعتبرت أن قرار الاستدعاء عبر مخابرات الجيش لأخذ إفادته على الرغم من إنهائها التحقيق وتحويله الى القاضي المختص أتى بسبب عدم جرأة عقيقي على استدعائه للاستماع إليه لأنه رئيس حزب ولديه كتلة نيابية وازنة في مجلس النواب.
ولفتت المصادر الى انه لا يمكن إجراء بحث وتحر بحق جعجع لأنه سيحضر بصفة شاهد للاستماع إليه، وفي حال أحضر كمدعى عليه فإن الأمور ستتجه الى مكان لا تحمد عقباه.
واستغربت مصادر متابعة ما يحصل في هذه القضية إذ إن المحكمة العسكرية قد بتّت العديد من القضايا بحكمة ومسؤولية، كما غضت الطرف عن قضايا مماثلة ولم تستدع مسؤولين ورؤساء أحزاب في قضايا وأحداث مشابهة لحادثة الطيونة.
وأسفت لأن المصالح والاستنسابية تتغلغل منذ زمن طويل في بعض ممن يتولون المسؤوليات في المحكمة العسكرية وليس الجميع ويعملون على حرف المسار القضائي عن طريقه من أجل المناصب.
أما في الشق السياسي فاستغربت أوساط سياسية شنّ “حزب الله” هذه الهجمة على البيطار وجعجع، ولفتت الى أنها لم ترَ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد متحدثاً أكثر من مرة في أسبوع واحد ومتناولاً بحدة كبيرة ولهجة اتهامية عالية سمير جعجع الذي كان يقال عنه في أوساط الحزب أنه لا يستأهل الرد عندما كان يطلق مواقف عالية السقف ضد “حزب الله”.
أما رعد فقد وصف القاضي بيطار بأنه قاض خرج عن سلوكيات الصدقية في التحقيق.
وسط كل ذلك، حضر المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار اجتماع مجلس القضاء الاعلى بناء على دعوة الاخير، وبدلاً من شكوك البعض في استبعاده عن القضية وقف المجلس الى جانبه مؤكداً السهر على حسن سير القضاء وعلى كرامته واستقلاله وحسن سير العمل في المحاكم، والعمل على إنجاز التحقيق بأسرع وقت ممكن، وفق الأصول القانونية.
فيما أرسل وزير العدل هنري الخوري كتاباً إلى المجلس النيابي أشار فيه إلى إصرار المحقق العدلي طارق البيطار على المتابعة في ملاحقة الوزراء السابقين والنواب الحاليين استناداً الى المادة 97 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
فهل ستتحقق العدالة ويتم تحديد المسؤوليات بحقّ المرتكبين؟ أم إن هذه القضية الحساسة ستأخذ وجهة مغايرة وسط التهديد بشلّ البلد وتعطيل عمل الحكومة والتدخل في القضاء، على الرغم من التحذيرات والضغوط الدولية والمساعي الجارية والتي لا تنذر حتى الساعة بالخير؟!