نعم لسيادة القانون ولشرعية الدولة وحدها دون سائر “الشرعيات البديلة”

28 أكتوبر 2021

بالمنطق المتعارف عليه لمفهوم سيادة الدولة أن لا أحد من المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات فوق القانون. هذا ما جاء في مقدمة الدستور بالفقرة ج، وفيها: “لبنان جمهوریة دیمقراطیة برلمانیة، تقوم على احترام الحریات العامة، وفي طلیعتها حریة الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعیة والمساواة في الحقوق والواجبات بین جمیع المواطنین دون تمایز أو تفضیل”. 

أمّا بالمفهوم الميليشيوي فإن ثمة فرقًا شاسعًا بين لبناني وآخر، بين هذا الفريق أو ذاك الطرف.  
ما حصل أمس على الطريق المؤدّية إلى معراب، حيث كان يُفترض أن تكون الدرب نزولًا لا صعودًا، هو من بين أحد المؤشرات على رفض منطق “صيف وشتاء على سطح واحد”، أو منطق أن هناك مواطنًا “إبن ست وآخر إبن جارية”. 
فعندما يستقيم العدل، ويستقيم معه منطق التعامل مع جميع المواطنين على أنهم متساوون في الحقوق والواجبات يُفترض أن تنعدم كل تلك الظواهر، التي تجافي الحقيقة، والتي يجب أن تُعلن، أيًّا يكن المسؤول عن أي عمل مخّل بالإستقرار العام في البلاد، بدءًا بإنفجار المرفأ، مرورًا بإنفجار التليل في عكار، وصولًا إلى حوادث الطيونة، التي تفرعت منها أزمة سياسية على مستوى الوطن، إستدعت تحرّكًا غير مسبوق لبطريرك الموارنة مار بشاره بطرس الراعي، الذي زار اولًا الرئيس نبيه بري، عارضًا عليه حلًا لإشكالية فصل التحقيق في إنفجار 4 آب عن تعطيل العمل الحكومي، وذلك بإعطاء دور لمجلس النواب من خلال تفعيل عمل اللجنة النيابية لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب. فكان ترحيب من قِبل رئيس المجلس، بإعتبار أن طرح الراعي جاء متطابقًا مع ما سبق أن طرحه. 
وبعدما حظي بموافقة الرئيس بري جال الراعي على كل من رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون وأطلعهما على مشروع الحل، فكان توافق على السير به. 
فلو لم تكن هناك أزمة على مستوى الوطن بأسره، بعد سيطرة “المنطق الميليشيوي” على منطق الدولة، لما كان البطريرك، الذي يُفترض به أن يُزار ولا يزور، مضطرّا على أن يخرج من مقرّه المعطى له “مجد لبنان”، ويسّوق حلًا لم يستطع أن يسّوقه أحد من السياسيين. 
وفي عودة على بدء، فإن التظاهرات التي شهدتها الطرقات الكسروانية المؤدّية إلى معراب، من قبل “القواتيين” والمؤيدّين لهم الرافضين مثول الدكتور سمير جعجع أمام المحقّقين في مديرية مخابرات الجيش للإستماع إلى إفادته، مطالبين بالإستماع في الوقت نفسه إلى إفادات آخرين، ومن بينهم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على خلفية الدعوى المقدّمة ضده من قِبل أهالي عين الرمانة، فالذين تظاهروا على الطرقات المؤدّية إلى معراب رفعوا شعارات “كلن يعني كلن”، وأن “زمن الأول قد تحوّل”، وأن طريق معراب – اليرزة اليوم هي غير طريق غدراس – اليرزة بالأمس، والتي أدّت إلى سجن جعجع أحد عشر عامًا. 
أمّا نحن فنعود إلى منطق الدولة، التي يجب ألا يعلو عليه أي منطق آخر. فنقول لا للخطوط الحمر، يضعها هذا الفريق أو ذاك الطرف. لا للإستقواء بـ”عضلات مصطنعة ومطّاطة”. لا لإستضعاف الدولة. لا لكسر مزراب عين مؤسساتها، وأولها القضاء والجيش.  
بل نعم كبيرة للتساوي بين جميع اللبنانيين. نعم لسيادة القانون. نعم لخضوع الجميع لهذا القانون. نعم لتطبيق العدالة بكل أشكالها على الجميع من دون تمييز أو تفرقة. نعم للشرعية وحدها دون سائر “الشرعيات البديلة”. 
فإذا كنا نريد دولة بكل ما تعنيه كلمة دولة فلا بدّ من التخّلي عن أي مشروع آخر من شأنه إضعاف هذه الدولة وضرب هيبتها. هكذا يكون الإنخراط في مشروع إعادة بناء الدولة من حيث يجب أن تكون عليه البداية.