لا تزال التصريحات المتلفزة التي أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي قبل تولّيه منصبه الوزاري، وتم بثّها هذا الأسبوع، تتفاعل على المستويين الداخلي والخارجي، وسط “تسريبات” بالجملة تتحدّث عن “أزمة دبلوماسية” بدأت في الساعات الماضية، من خلال استدعاء عدد من الدول سفراء لبنان لديها، وتسليمهم مذكرات احتجاج رسمية.
على المستوى الرسمي، سارع لبنان إلى “احتواء” الأزمة قبل اشتدادها، فكان البيان الأول لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مباشرةً بعد بدء التسريبات حول مضمون المقابلة، ليؤكد “تبرّؤ” الحكومة منها، وهي التي تتطلّع إلى أفضل العلاقات مع الدول العربية والصديقة، وفق ما نصّ عليه بيانها الوزاري بوضوح لا يحتمل اللبس، وبإجماع كل مكوّناتها.ورغم أنّ موقف الوزير قرداحي نفسه “تدرّج”، وفق ما رأى البعض، بين التمسّك بما وصفه بـ”الرأي الشخصي” إلى رفض “الخضوع والابتزاز”، إلا أنّه “تقاطع” بدوره مع الموقف الرسمي، من خلال تأكيده “الحرص” على العلاقات مع كل الدول العربية، وبالأخصّ السعودية والإمارات، وتشديده على أنّ ما صدر عنه كان سابقًا لتسلّمه مسؤولياته الوزارية.
لا نأي بالنفسوجدت القضية صداها في الداخل والخارج. تصدّر اسم الوزير جورج قرداحي كلّ المنصّات الافتراضية، تزامنًا مع بدء التكهنّات والسيناريوهات حول مآل الأزمة. دافع عنه البعض، باعتباره أنّه عبّر عن “رأيه”، قبل أن يصبح مسؤولاً ينطق باسم الحكومة ويعبّر عن موقفها، وانتقدته الأكثرية لأنّه أخطأ في التعبير، وهو الذي “لام” قبل أشهر قليلة وزير الخارجية السابق شربل وهبة على “الإساءة” لعلاقات لبنان مع المملكة العربية السعودية.لكن، بمُعزَل عن كلّ الآراء والأفكار والانفعالات، فإنّ الثابت أنّ الحكومة بشخص رئيسها تعاملت مع الأمر بكلّ مسؤوليتها، حيث رفع رئيسها شعار “لا نأي بالنفس”، وهو صاحب نظرية “النأي بالنفس” إزاء الملفّات الخلافية والصدامية، لكنّها نظرية لا يمكن أن تسري على علاقات حيوية وجوهرية تجمع لبنان بأصدقائه وشركائه العرب، ولا سيما الخليجيين، الذين لطالما وقفوا إلى جانب لبنان وساعدوه على تخطّي محنه.صحيح أنّ موقف الحكومة لم يؤدّ، أقلّه في الساعات الماضية، إلى “إطفاء” الهجمة الدبلوماسية التي اتّسع صداها مع استدعاء السفراء، إلا أنّه وفق ما يؤكد العارفون أسهم إلى حدّ كبير في التخفيف من حدتها ووقعها، مع إعادة التأكيد على “الثوابت”، وهو ما قد يساعد في “تجاوز” الأزمة الدبلوماسية، التي قد تكون “آخر ما ينقص” الحكومة في الظرف الحاليّ، وهي الباحثة عن أيّ أفق لطمأنة الدول الصديقة وتبديد أيّ هواجس لديها. العودة الموعودةلعلّ هذه النقطة بالتحديد هي التي شغلت بال الجميع، فما حصل شكّل، في جانبٍ من جوانبه، “ضربة” للحكومة، التي تسعى جاهدةً لتجاوز الأزمة الداخلية التي وقعت فيها على خلفية الانقسام الذي جرى بين مكوّناتها حول طريقة التعامل مع المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، والتي جمّدت جلسات مجلس الوزراء حتى إشعار آخر، وإن أبقت على الاجتماعات الوزارية الموسّعة على الهامش.وفيما تشير المعلومات إلى اتصالات تجري خلف الكواليس، ينشط رئيس الحكومة على خطّها، فإنّ الأكيد أنّ اللبنانيين يتطلّعون إلى “العودة الموعودة” للحكومة إلى العمل، من دون أيّ “تشويش” داخلي أو خارجي من شأنه التأثير عليها، خصوصًا أنّ البلاد بانتظار “الحسم” في الكثير من الملفّات، على وقع تصاعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية في الأيام القليلة الماضية.انطلاقًا من ذلك، فإنّ الأكيد أنّ لبنان ليس “في وارد” الدخول في أيّ أزمة مع المجتمعين العربي والدولي، ولا سيّما مع دول الخليج التي يعوّل عليها الكثير من اللبنانيين، خصوصًا في مرحلةٍ يُنتظَر فيها أن يكون لهذه الدول دور أساسي في “إنقاذ” لبنان، بعد أن تنتهي الحكومة، إذا قُدّر لها، من إنجاز المطلوب منها، وإنهاء المفاوضات مع صندوق النقد، والمباشرة بتطبيق “خريطة طريق” الحلّ.لعلّ ما زاد من وقع تصريحات وزير الإعلام خليجيًا، أنّ ثمّة “ريبة” لدى بعض الدول الصديقة من “الموقف اللبناني” بعد مرحلة من “التمايز”، خرج فيها بعض الوزراء المحسوبون على جهات محدّدة عن قاعدة “التضامن العربي”. لكنّ الأكيد أنّ الحكومة أوضحت موقفها، وأكّدت على “ثوابتها”، فهل يكون ذلك كافيًا لإنهاء الأزمة المستجدّة، أم أنّ ثمّة خطوات أخرى لا بدّ منها سيُكشَف النقاب عنها في الساعات المقبلة؟.