ليست هي المرّة الأولى التي تتعرض فيها المملكة العربية السعودية لحملات واستهدافات، فقبل وزير الإعلام جورج قرداحي كانت للوزير السابق للخارجية شربل وهبة مواقف لا تقّل خطورة عن مواقف زميله تجاه دولة عربية شقيقة يحرص لبنان على أن تكون له معها أطيب العلاقات، وهي كانت وستظل كذلك، نظرًا إلى ما بين الدولتين من روابط أخوية تاريخية، وإلى ما يجمعهما من مصالح مشتركة داخل الأسرة العربية الواحدة ذات الرؤية المشتركة حول قضايا تهمّ الشعبين اللبناني والسعودي، حاضرًا ومستقبلًا.
فسياسات البعض القائمة على قصر النظر لم تحسب أي حساب لعلاقة لبنان الطبيعية مع أشقائه العرب، كونه يُعتبر من مؤسسي جامعة الدول العربية ومعني طبيعيا بالتضامن العربي ضد كل ما يواجه الأمة من مخاطر تهدّد كيانها وزعزعة إستقرارها الداخلي، وليس العكس.
كان حري بهذه الطبقة السياسية، التي لا تفكرّ أبعد من منخارها، أن تعرف أن لعلاقاتها مع الأشقاء العرب أهمية كبيرة وفائدة للبنان قبل أن تكون فائدة للآخرين، وذلك نظرًا إلى ما قدّمته الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية من دعم للبنان في أوقات محنه، ووقوفها إلى جانب قضيته المحّقة في المحافل الدولية، وسعيها إلى حلّ مشاكله الداخلية بالحسنى والرضى. ولعل ما بذلته الرياض من أجل وقف حمام الدم في لبنان خير شاهد على دورها الإيجابي في التخفيف من معاناتهم الطويلة، فكان إتفاق الطائف بمبادرة سعودية وتوافق عربي ودولي، وكان وقف لآلة الحرب المدّمرة.
ومن منطلق حرصه على عدم ترك أي شيء يعكرّ علاقة لبنان بالمملكة أو بأي دولة عربية شقيقة من دول الخليج العربي، يجهد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على مقاربة ملف العلاقة مع أشقائه العرب، وخاصة في هذه الظروف المصيرية والدقيقة، التي يحتاج فيها لبنان إلى كل دعم من أشقائه قبل أصدقائه في الخارج، من زواية الحفاظ على أعلى مستوى من التنسيق مع الرياض، بعيدًا عن الصخب الاعلامي، بعد مواقف الوزير قرداحي، وإن كان قد أعلنها قبل توليه مهامه الوزارية.
فمواقف الرئيس ميقاتي لناحية تمسّكه بأفضل العلاقات مع المملكة السعودية وسائر دول الخليج العربي، ومنذ اليوم الأول لتعاطيه الشأن العام، سواء أكان في سدّة المسؤولية أو خارجها، معروفة من القاصي والداني، وهو لم يتردد طوال السنوات الماضية في التحذير من مخاطر “السياسات التي تهدف الى سلخ لبنان عن محيطه العربي”، والتأكيد “أن لا لبنان لا يقوى الا باشقائه”.
فلو كان لدى هذه الطبقة السياسية الحدّ الأدنى من الحسّ بالمسؤولية لما كانت سمحت لنفسها بالتطاول على الدول الشقيقة، ولكان من الواجب عليها الحفاظ على ما تبقّى من ماء الوجه وعلى علاقات جيدة مع السعودية ومع دول الخليج العربي، حيث يقيم فيها لبنانيون يعملون فيها ويمدّون من خلالها عائلاتهم في لبنان بمقومات الصمود، وهذا ما يجعل اللبنانيين المقيمين يصمدون على رغم صعوبة الأزمة المالية التي يمرّون بها.
كان حرّي بهذه الطبقة السياسية أن تحافظ على العلاقات التاريخية التي كانت تربط لبنان بالدول العربية الشقيقة، حيث كان الإقتصاد اللبناني يعتمد في جزء اساسي منه على السياحة العربية، التي إنعدمت بسبب كمّ من الأخطاء التي إرتُكبت تجاه الأشقاء العرب.
كان حري على هذه الطبقة السياسية أن تعرف أين هي مصلحة لبنان عندما سمحت لنفسها بالإساءة إلى الدول الشقيقة، ويوم غضّت الطرف عن بعض التصرفات غير المجدية، وتغليب مصلحة بعض المغردين خارج الإطار الطبيعي للبنان على مصلحته وعلاقاته الخارجية.
وعلى رغم هذه التصرفات غير المسؤولة والمتهّورة فإن لدى الرئيس ميقاتي ملء الثقة بأن هذه الازمة ستطوى ،لأن العلاقات اللبنانية – السعودية واللبنانية- العربية أقوى من أي عواصف ، وهو القائل دوما “إننا ننظر بوفاء وتقدير الى كل مبادرات المملكة في الوقوف الى جانب لبنان ومسيرة نهوضه واستقراره على كل الصعد، وبرعاية اللبنانيين المقيمين في المملكة رعاية أبوية صادقة. كما تحفظ ذاكرة اللبنانيين بامتنان مبادرة المملكة في المساهمة في إرساء قواعد الوفاق الوطني في مؤتمر الطائف وفي دعم لبنان في كل المحطات اللاحقة لا سيما في بلسمة آثار الحروب التي مرت على وطننا.”
إن ما قيل ويقال لن يؤثّر على المسار العام، خصوصاً أن ثوابت الموقف اللبناني من العلاقات مع الدول العربية وردت في البيان الوزاري، وهذا الرأي لا يمثّل بالطبع رأي الحكومة.
فمن لا يقرأ التاريخ لا يعرف كيف يتعامل مع الحاضر ويخطّط للمستقبل. هذه هي النتيجة الطبيعية لسياسة النكايات السياسية، وهذه هي نتيجة التهوّر والرهانات الظرفية الخاطئة.
فما يلوح من بوادر إيجابية في الإقليم لا بدّ من أن تكون لها مفاعيل إيجابية على الساحة اللبنانية، وهذا ما سبق أن ذكرّ به الرئيس ميقاتي في أكثر من مناسبة.
المصدر:
لبنان 24