كتب المحرر السياسي:
مجدّدًا، ساد “الهرج والمرج” جلسة لمجلس النواب مخصّصة لملفّ يفترض أن يكون “أولوية الأولويات” للبرلمان والحكومة، ألا وهو الانتخابات النيابية. لكن يبدو أن الخلافات السياسية طغت مرّة أخرى، فكان “الاشتباك” بين “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر” طاغيًا على كلّ ما عداه، وقد أدّى إلى انسحاب نواب “لبنان القوي” من الجلسة بقيادة الوزير السابق جبران باسيل، وبالتالي “تطيير” نصابها.
لكنّ الخشية التي عزّزتها هذه الجلسة لا تقف عند “تطيير” النصاب، بل تمتدّ لتشمل “تطيير” الانتخابات ككلّ، علمًا أنّ هذا الأمر لم يبقَ في إطار التكهّنات والسيناريوهات الافتراضية التي يُحكى فيها في الكواليس، بعدما تبنّاه رئيس مجلس النواب نبيه بري صراحةً، حين سأل نواب “التيار الوطني الحر” بصورة مباشرة لا تحتمل اللبس، عمّا إذا كانوا “يريدون الانتخابات أم لا”، في معرض تعليقه على اعتراضاتهم.
ومع أنّ البعض يخفّف من حدّة النقاشات، واضعًا إياها في سياق “المزايدات الانتخابيّة” التي ستتكثّف في المرحلة المقبلة، بحيث سيحاول كلّ فريق أن “يبيع” جمهوره “وهم” أنّه من يتوخّى مصلحتهم، ويرفض تقديم أيّ “تنازلات”، فإنّ هناك من يشير إلى أنّ مسار الطعن، الذي بات “شبه محسوم” بعد الجلسة التشريعية، قد لا يكون “محسوبًا”، خصوصًا بعد ما أثير عن “مخالفة دستورية” قال باسيل إنه “لن يمرّرها”.
هل حصلت مخالفة؟
ما قصده باسيل بـ”المخالفة الدستورية” يتمثّل في طريقة احتساب الأكثرية المطلوبة للتصويت على أيّ قرار، خصوصًا أنّ بند تصويت المغتربين للدوائر الأصلية، أقِرّ بـ59 صوتًا فقط، أيّ أقلّ من الأكثرية المطلقة (64 نائبًا)، استنادًا إلى أنّ الدستور ينصّ على أنّ مجلس النواب مؤلَّف من 128 نائبًا، وهذا ما يفترض أن يشكّل قاعدة القياس.
هنا، انقسم النواب إلى معسكرَين، معسكَر يقول إنّ الأكثرية تتغيّر حكمًا طالما أنّ عدد النواب انخفض بفعل الوفيات والاستقالات التي تمّت، وطالما أنّ لا انتخابات فرعية أجريت لملء الشواغر، في مخالفة دستورية أخرى اختار البعض تمريرها مرور الكرام، في حين اعتبر البعض الآخر أنّ مثل هذا “الاجتهاد” غير دقيق، وأنّ الدستور ينصّ على أنّ الأكثرية تُحتسَب بناءً على العدد الكامل “المفترض” لعدد النواب، طالما أنّه لا يعتمد على الحاضرين منهم.
وإذا كان بري أكد أنّ مجلس النواب “سيد نفسه”، وهو المخوَّل “تفسير الدستور”، فإنّ شيئًا من ذلك لم يحصل، علمًا أنّ جدلاً آخر كان يمكن أن ينشأ حول “أكثرية الثلثين” المطلوبة لذلك، في وقتٍ سجّل “العونيّون” على رئيس البرلمان وقوعه في “فخّ الاستنسابية”، فهو تبنّى أمس اجتهادًا يناسبه في بند المغتربين، خلافًا لذلك الذي تبنّاه قبل سنوات، في جلسة انتخاب الرئيس ميشال عون رئيسًا للجمهورية.
الانتخابات في خطر!
يقول”العونيّون” إنّ هذه المفارقة التي وقع فيها برّي قد تشكّل أساسًا للطعن الذي ينوون تقديمه، وهم يعتبرون أنّ أهمية الطعن تكمن في أنّ البرلمان ارتكب “مجزرة تشريعية” بحق المغتربين، بمخالفته لنصّ قانون الانتخاب الذي وُصِف عند إقراره بـ”الانتصار”، فإذا بالنواب يحاولون انتزاع “الإنجاز” في أول فرصة، فضلاً عن كونه لم يأخذ في الاعتبار الملاحظات “الدستورية” التي قدّمها رئيس الجمهورية في ردّه للتعديلات على القانون.
في المقابل، يعتبر المحسوبون على رئيس مجلس النواب أنّ “الضجّة المفتعلة” التي يقوم بها “العونيّون”، تارةً على خلفية موعد الانتخابات، وطورًا على آلية تصويت المغتربين، قد تكون مبرّرة ومشروعة في الظروف العادية، لكنّها تنمّ اليوم عن “مخاطرة ومقامرة” باستحقاق ينتظره جميع اللبنانيين، وهي بهذا المعنى لا تُفسَّر سوى بوجود “إرادة ضمنية” لدى هذا الفريق بـ”تطيير” الانتخابات عن بكرة أبيها.
لكنّ “العونيّين” يرفضون هذا التفسير، معتبرين أنّ لا شيء يبرّر السكوت على المخالفات التي حصلت، وكان الأجدى بمن يبدي حرصه على حصول الانتخابات في وقتها، أن يتمسّك بالنصوص الواردة في قانون الانتخاب، بدل “التلاعب بها” بشكل “يفرغها من مضمونها”. ويشدّدون على أنّ الخشية على الانتخابات تأتي من التعديلات التي حصلت، علمًا أنّ كلام وزيري الداخلية والخارجية كان أكثر من واضح، حول الصعوبات اللوجستية التي تسبّب بها تعديل المهل بالشكل الذي حصل.
كلما شعر اللبنانيون أنّ الانتخابات باتت محسومة، يأتي من يذكّرها بأنّ “الخطر” لا يزال يحيط بها من كل حدب وصوب. ثمّة من يرى في النقاشات السياسية حول “جنس الملائكة” في قانون الانتخاب، ولو كانت مشروعة في جانب كبير منها، توطئة لتحقيق “الهدف” الذي يتقاطع عنده الجميع من دون أن يقرّوا بذلك، وهو “تطيير” الانتخابات. فهل مثل هذا “السيناريو” وارد، أم أنّ “المحاولة” ستبوء بالفشل مجدّدًا؟!