للحكومة وظيفتان تتساويان في الأهمية، الأولى التأسيس للتعافي الإقتصادي والمالي من خلال بوابة صندوق النقد الدولي، والثانية إجراء الإنتخابات النيابية. ما يحصل من تعطيل لجلسات الحكومة قد يطيح بالوظيفتين معًا، على رغم الجهود التي تبذلها الحكومة ورئيسها في المفاوضات التقنية مع صندوق النقد الدولي من جهة، وفي التحضير للإنتخابات من جهة ثانية ثانية.
عند نسأل أي مسؤول عن مصير الإنتخابات النيابية يجزم بأنّها حاصلة في موعدها، ويستند في تأكيده على أنّها شرط دولي، لا يمكن للسلطة تجاهله. لكن أداء أفرقاء سياسيين في مجلس الوزراء وفي المجلس النيابي يوحي بعكس ذلك. إذ يفصلنا عن موعد الإنتخابات أقل من خمسة أشهر، بعدما أعاد المجلس النيابي في جلسته التشريعية الأخيرة التأكيد على موعد 27 آذار لإجراء الإنتخابات، وهي مهلة قصيرة تتطلب البدء بالتحضيرات على المستوى اللوجستي وصولًا إلى دعوة الهيئات الناخبة، وعلى مستوى رسم خارطة التحالفات وإطلاق الماكينات الإنتخابية ومستلزمات الحملات الانتخابية. وبدل العمل لتوفير الظروف الملائمة لإجراء الإنتخابات، نرى أن البعض يذهب بعيدًا في ضرب التضامن الوزاري وتعطيل العمل الحكومي، وإزاء ما يحصل، يبدو السؤال مشروعًا عن مصير الإنتخابات النيابية.
مصدر مراقب لا يستبعد أن يكون الدفعُ باتجاه الإنهيار الشامل وتعطيل كلّ جهد حكومي مبذول لوقف عجلات الإنهيار، مقدمةً للإطاحة بالإنتخابات النيابية، لاعتبارات عديدة تتعلق بالمعركة على الغالبية النيابية بشكل عام والغالبية المسيحية بشكل خاص، لما لهذه المعادلة من أهميّة في الإستحقاق الرئاسي الذي يلي التشريعي. في الإطار يستحضر المصدر ما قاله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في حينه قاسم سليماني، غداة صدور نتائج الإنتخابات النيابية اللبنانية عام 2018 من أنّ “حزب الله ولأوّل مرّة فاز بـ 74 مقعدًا من أصل 128 مقعدًا في البرلمان اللبناني”.
يدرك القاصي والداني، أنّ المعركة الإنتخابية المقبلة تتخطّى حسابات الربح والخسارة لدى كلّ كتلة نيابية على حدى لتشمل الفريق الرابح بالغالبية البرلمانية. وإن كان حزب الله مرتاحًا لوضعه الإنتخابي داخل بيئته وشبه متأكد من حصده كلّ المقاعد، الأمر مختلف بالنسبة لحلفائه، هو قادر على مساعدتهم في بعض الدوائر، حيث الصوت الشيعي موجود ومرجّح، لاسيّما في البقاع وبعبدا، لكن في دوائر أخرى حيث المعركة مسيحية-مسيحية، هناك خشية كبيرة من خسارة حلفائه لبعض المقاعد، خصوصا التيار الوطني الحر، وذلك لصالح أحزاب مسيحية معارضة له، وفي طليعتها حزب “القوات اللبنانية”، ولصالح تحالفات المجتمع المدني. من هنا ترى مصادر مراقبة أنّ تطيير الانتخابات سينقذ النائب جبران باسيل، ويتيح له فرصة التمديد للمجلس الحالي، والتحكّم بالانتخابات الرئاسية، كما يتيح للفريق السياسي الممانع تفادي المخاطرة بخسارة الغالبية النيابية.
في هذا السياق، وبالتوازي مع افتعال الأزمات على المستوى الحكومي، هناك خلاف دستوري بخلفيات سياسية من شأنه أن يهدّد مصير الإنتخابات. فالتيار الوطني الحر، ووفق ما أكّد في الجلسة التشريعية الإخيرة، ذاهب للطعن بتعديلات قانون الإنتخاب أمام المجلس الدستوري، انطلاقًا من موعد الإنتخابات في آذار واقتراع المغتربين، وصولًا إلى الطعن باحتساب الغالبية المطلقة التي اعتُمدت في الجلسة النيابية، واستندت إلى العدد الفعلي للنواب، أي استثناء النواب المستقيلين والمتوفين، وعدم احتسابهم من ضمن النواب الذين يؤلّفون المجلس. في وقت بدأ العد التنازلي للمهلة القانونية لتقديم الطعن، والمحددة بخمسة عشر يومًا من تاريخ نفاذ القانون. تماشيًا مع الطعن ومع الأسباب التي فندّها رئيس الجمهورية ميشال عون في رسالة ردّه قانون الإنتخاب إلى المجلس النيابي، من المرجّح أن لا يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للإنتخاب في 27 آذار. عندها يسقط هذا التاريخ ويُعتمد التاريخ المقرّر في قانون الإنتخاب قبل تقريب المهل ، أي أيار المقبل.
لكن أبعد من الموعد ومن نتائج الطعون، ترى مصادر نيابية أنّ هناك خطرًا حقيقيًّا يهدّد مصير الإنتخابات النيابية، وتشير إلى كلام لافت، قاله نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي بعد جلسة اللجان النابية المشتركة التي صوّتت لصالح تعديلات قانون الإنتخاب “إنّ مسألة الطعن بالقانون أو عدمه مرتبطة بتقويم الجهة التي تريد أن تطعن، وما إذا كان هذا سيؤدي إلى تعطيل الانتخابات النيابية أم لا”. يضاف إلى كل ذلك افتعال الإشتباكات الأمنية في الشارع من الطيونة إلى خلدة، ومدى الإتجاه لتزخيمها كلما اقترب موعد الإنتخابات النيابية. فهل تخفي كل هذه السلوكيات نيّة مبيّتة للإطاحة بالإنتخابات النيابية؟