يترقّب الكثير من الأطراف الداخلية والخارجية نتائج الحراكين القطري والفرنسي بشأن الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول الخليج، لأنّ الأمورَ ما زالت خارج إطار الحلّ حتى الآن، في حين أنّ التقارب من جديد ليس بعيداً عن التحقّق.
ومع الحراك الذي تقوده جامعة الدول العربية على خط الأزمة من خلال زيارة الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي إلى بيروت غداً، تثير المشكلة القائمة مع الخليج سلسلةً من التساؤلات الأساسية: إلى أينَ يُمكن أن تمتد؟ وهل سيقطع الخليج فعلاً علاقاته نهائياً مع لبنان؟ هل سنتحوّل إلى ساحة تجاذبات جديدة بين الخليج وإيران؟ هل ستلجأ الدول الخليجية إلى آلية العقوبات ضدّ لبنان؟ هل ستنجح الوساطات الدوليّة في فكّ العقدة القائمة؟
إلى هذه اللحظة، تتركّز الآمال على نجاح الوساطة الفرنسيّة مع السعوديين لتذليل العقبات بينها وبين لبنان، وهو أمرٌ بدا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخذه على عاتقه. وبشكل أساسي، فإنّ مجمل الأطراف السياسية في لبنان سواء تلك المؤيدة للسعودية أو المعارضة لها، تريدُ الحلّ بأسرع وقتٍ ممكن، ولكن وفق حسابات خاصّة ومعيّنة.
ماذا عن “حزب الله”؟
من المعروف تماماً أنّ أساس الأزمة يرتبطُ بقوة “حزب الله” ونفوذه سواء في لبنان وخارجه، وهو الأمر الذي يثيرُ حفيظة الخليج العربي بالدرجة الأولى، باعتبار أن الحزب لديه دورٌ أساسي في مساندة الحوثيين في اليمن. وعلى هذا الأساس، رُسمت السياسات بشأن لبنان، إذ جرى الاعتبار بأن البلد يخضع لسلطة “حزب الله” بشكل تام. وحتماً، القاعدةُ هذه ينفيها الحزب وحلفاؤه، في حين أن المناوئين له يؤكدونها ويشددون على أن لبنان يرزحُ تحت “الوصاية الإيرانية”.
يرى البعضُ أنّ موقف “حزب الله” المُتصاعد من الأزمة هو بديهيّ وقديم وليس بجديد، لأنه وفق حساباته فإنّ الأزمة باتت تطال “الكرامة الوطنيّة”. غير أنّ آثار التباعُد بين لبنان والخليج قد تنعكسُ سلباً على مجمل الأوضاع الداخلية في لبنان، ولأن “حزب الله” هو سبب الأزمة، فإن المطالبة قد تكون بتقديمه تنازلات في الداخل والخارج، والأساس في هذه الخطوة هي إيران.
يعتبرُ “حزب الله” أن الأزمة الجديدة تستهدفه بشكل أساسي، ولكن ما يحصل قد يرتدّ بشكل أساسي عليه وقد يثير النقمة الأكبر. ففي حال لجأت دول الخليج إلى معاقبة اللبنانيين لديها في مرحلة من المراحل، وفي حال اعتمدت خيار الترحيل للكثيرين، وإذا لجأت لخطوة منع التحويلات المالية إلى لبنان، فإن كل هذه العوامل ستشكل نواة غضب شعبية ضد “حزب الله” في لبنان، وقد يدفع هذا الأمر إلى مطالبته بالخضوع لتسوية جديدة تقيّد مساره ونفوذه، لأن الأمور تعدّت السياسة وطالت صمود بلد بأكمله. وهنا، يطرح تساؤل أساسي: هل يتحمل “حزب الله” أي ارتدادات سلبية على اللبنانيين في الخليج وكيف يمكنه التعامل معها؟
على صعيد الوساطات الدولية لحل الأزمة، يبدو أن “حزب الله” يغمزُ “إيجاباً” باتجاهها خصوصاً بشأن المبادرة الفرنسيّة مع السعودية. وبالتدقيق أكثر، كانت تغريدةٌ قبل أيام لوزير الأشغال العامة والنقل علي حمية تشيرُ إلى اتجاه القبول بتلك الوساطة والتعويل عليها، إذ ردّد الأخير ما ورد في تغريدة لرئاسة مجلس الوزراء عن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد تمسك فرنسا باستقرار لبنان السياسي والاقتصادي.
وعليه، قد تندرج هذه المواقف في إطار “التناغم” بين فرنسا و”حزب الله”، وهذا تقاربٌ يأتي بشكل واضح إبّان انطلاق المبادرة الفرنسية الخاصة بلبنان عقب انفجار مرفأ بيروت. وفي إطارها، كانت باريس واضحة في عدم اعتبار “حزب الله” إلا مكوناً أساسياً في البلاد.
وإنطلاقاً من كل ما سبق، فإن الاتصالات التي تجري مؤخراً تهدف للخروج بتسوية واضحة، وتقول مصادر سياسية متابعة إنّ المساعي الحالية تكمنُ في إبعاد الأزمة عن أي خطوات قد تؤثر على اللبنانيين المغتربين والتحويلات المالية بشكل خاص، وهذا الأمر يؤكد عليه “حزب الله” كما تقول المصادر المقرّبة منه.
وإضافة لذلك، فإنّ هدف المساعي يتحدّد في الحفاظ على الحكومة، وقد أكدت الاطراف السياسية الأساسية على هذا الأمر، في حين أن الفرنسيين يتحركون على هذا الأساس مع دول الخليج، لأن وجود حكومة أصيلة يعني تقدماً في الإصلاح ومنعاً للانهيار. وهنا، فإن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي واضحة بهذا الشأن من خلال مواقف عديدة، وهي ملتزمة بدعم مسار لبنان الإصلاحي بعيداً عن أي فراغٍ دستوري.