قبل أن تحل الأزمة الخليجية، كانت الصناعة في لبنان تكافح لتصمد بظل اقتصاد متهالك، خصوصًا بعد ارتفاع أسعار المحروقات وانعكاسها على تكاليف شحن المواد الأولية ومجمل الكلفة الإنتاجية، علمًا أنّ هذا القطاع شهد في العامين الماضيين إنشاء عدد من المصانع لتلبية حاجة السوق، مع شح الدولار وتراجع حجم الإستيراد. القرار السعودي بوقف حركة الاستيراد والتصدير، أصاب القطاع الصناعي بمقتل، ومن شأنه أن يؤدي إلى فقدان عشرات الآلاف لوظائفهم، وهجرة عدد من المصانع إلى الخارج.
لبنان خسر 500 مليون دولار صادرات إلى السعودية
نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش كان يتطلّع وأصحاب القطاع، إلى رفع حجم الصادرات مع المملكة العربية السعودية، من 240 مليون دولار عام 2020، إلى 500 أو 600 مليون دولار. خصوصًا أنّه في العام 2020 كانت الأسواق مقفلة في المملكة جراء كورونا، اليوم فُتحت الأسواق، ونشأت مصانع جديدة في لبنان مستفيدة من انخفاض قيمة العملة، فاتسعت دائرة الصناعات اللبنانية لتشمل أجهزة التنفّس وكمامات ومعقّمات ومواد تنظيف ومستلزمات طبيّة، فضلًا عن إنشاء مصنع لإنتاج لقاح سبوتينك “كنا متأكّدين أنّنا سنضاعف حجم صادراتنا الصناعية إلى المملكة، وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، قبل أن تأتي هذه الضربة. بالتالي خسارة القطاع الصناعي للسوق السعودي وحده، لا تقل كلفتها عن 500 مليون دولار” يقول بكداش لـ “لبنان 24” واضعًا إياها في إطار مخطّط ممنهج لضرب الإقتصاد، بعدما ضربوا القطاعات السياحية والمصرفية والتربوية والإستشفائيّة، بحيث كان لبنان بمثابة مستشفى وجامعة الشرق الأوسط، ثم ضربوا التجارة والزراعة بشحنات الكبتاغون، واليوم يضربون قطاع الصناعة.
تأتي المواد الغذائية في قائمة الأصناف التي يصدّرها لبنان إلى السعودية، وهناك صناعات أخرى متعدّدة منها أدوات تنظيف وأدوية والومينيوم ومولدات كهربائية والآت كهربائية فضلًا عن الورق والقرطاسية. كما يصدّر لبنان إلى الملكة مجوهرات وحلي. لا رقم دقيقًا لصادرات المجوهرات يوضح بكداش، فأرقام الجمارك ليست صحيحة، إِذ لا يُصرّح عن كامل قيمة الصادرات وهي خارجة من لبنان عبر المطار. علمًا أنّ نقابة معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان أصدرت بيانًا على خلفية الأزمة مع الخليج أكدّت خلاله على “أهمية العلاقات الإستراتيجية الإقتصادية والأخوية مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، من أجل الإستمرار في حماية إقتصادنا الوطني والعربي، بخاصة لجهة إقامة المعارض السنوية في قطاع المجوهرات، الذي يعزز العلاقات الصناعية والتجارية مع الدول العربية والخليجية الشقيقة”.
لا أسواق بديلة
يلفت بكداش إلى أنّ حجم الصادرت اللبنانية إلى الدول العربية يبلغ حوالي مليار ومئتي مليون دولار “هنا لا يستقيم الحديث عن أسواق بديلة بمفهوم الصادرات الصناعية، لأنّ المصانع الكبيرة والمتوسطة تقفل في حال وقف الصادرات، وعليها أن تعمل بمقدار 16 ساعة في اليوم. نحن دقّينا أبواب العالم حتّى وصلنا إلى ما نسبته 3 مليار ونصف صادرات، وكنا ننتظر رفعها الى 5 مليار دولار”. أضاف بكداش أنّ السوق العراقي هو السوق الوحيد وليس البديل نسبةً إلى ضعف القدرة الشرائية وكلفة الشحن المرتفعة “وهناك عقبات نواجهها على صعيد التصدير والإنتاج، ولا بديل عن أيّ سوق نخسره، في وقت كنّا نحاول فتح أسواق جديدة”.
هروب المصانع
عدد من الصناعيين نقلوا مصانعهم من لبنان إلى بلدان مجاورة، بينهم مسقط وعمان، وذلك بعد فضيحة شحنة الكبتاغون بالرمان، يؤكد بكداش “اليوم مع تلقي الضربة القاضية، عدد كبير من الصناعيين بدأ بالإنتقال إلى plan b، بعض المصانع بصدد نقل قسم من إنتاجه إلى الخارج، أمّا المصانع التي ليس لديها سوى خط إنتاج واحد فسيعمد أصحابها إلى ترك البلد ونقل مصانعهم كليّا إلى الخارج، والوجهات المرجّحة، هي تركيا ومصر وقبرص والسعودية ومسقط والإمارات. هذا الوضع سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة، وبدأت مؤشراتها بالظهور من خلال انخفاض أعداد المنتسبين في القطاع الخاص إلى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي من 1300000 إلى 800000، أي هناك 500000 عامل تمّ تسريحهم بعدما ضُربت قطاعاتهم وأقفلت مؤسساتهم. واليوم مع هذه النكسة سيدفع العمال الأثمان، من هنا طالبنا منذ البداية بفصل السياسة عن الإقتصاد، لكن لا حياة لمن تنادي”.
إضافة إلى الخسائر الإقتصادية وضرب القطاع الصناعي من جرّاء افتعال الأزمة تلو الأخرى مع الدول الخليجية لا سيّما السعودية، هناك خسائر لا تفنّد بعلم الأرقام “ترتبط بدور لبنان كبلد عربي مؤسس لجامعة الدول العربية، تربطه علاقات متجذرة في التاريخ مع أشقائه وتحديدًا مع المملكة العربية السعودية، كما أنّ دول الخليج العربي من أوائل الدول التي وقفت إلى جانب لبنان وساعدته في كلّ المحطّات واستثمرت فيه. وكذلك حال اللبنانيين الذين استثمروا في الدول الخليجية. وكان لهم دور أساسي في إعمار البلدان العربية”.
هذه الأزمات مع دول الخليج معطوفة على الإنهيار المالي، تتطلّب اجتماعات حكومية مكثّفة يقول بكداش “لكن مع الأسف، لم تُعطى الحكومة الوقت، فمنذ انطلاقتها اجتمعت مرات نادرة، قبل أن تنفجر قضية القاضي طارق البيطار، ثمّ أتى وزير الخارجية ليزيد الطين بلّة بعد تصريحات وزير الإعلام . وها نحن نحيا في بلد لا قيمة فيه للوقت، الدولار على عتبة الـ 21 ألف والحكومة معطّلة، وننتظر الفرنسي والأميركي ليصالحنا مع أشقائنا في الخليج، هذا واقع محزن بالفعل”.