كتب علي زين الدين في” الشرق الاوسط”: عكست التصريحات المستجدة لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، بشأن تقدم المفاوضات التقنية مع إدارة صندوق النقد الدولي ورفع أرقام موحدة للخسائر المحققة في القطاع المالي، أجواء متباينة في الأوساط المالية والمصرفية تراوحت بين انتعاش محدود للآمال بإمكانية تحقيق خرق جدي في إدارة الانهيار الاقتصادي الشامل قبل نهاية العام الحالي، وبين ترقب حذر للغاية يعززه الارتفاع الحاد في منسوب المخاطر العامة وتأثيراتها في دفع الأزمات المتشعبة إلى قعر أعمق.
وأعلن ميقاتي خلال لقائه أمس أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، «أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة مع صندوق النقد الدولي وقدمنا أرقاما مالية موحدة للصندوق»، لافتاً إلى أنه بحث مع شركة «لازارد» المفوضة بالتدقيق الجنائي في حسابات الإدارات اللبنانية، «في خطة التعافي الاقتصادي، وهناك تنسيق كامل ومصرف لبنان يتعامل مع الشركة وخلال هذا الشهر سنتسلم خطة التعافي».
ولاحظ مسؤول مالي في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن انعدام أي تفاعل تلقائي للأسواق المالية والنقدية (ارتفاع الدولار إلى عتبة 21 ألف ليرة) مع الإفصاح المهم لميقاتي عن إمكانية توقيع ورقة تفاهم أولية مع الصندوق قريبا وإتمام خطة التعافي الاقتصادي هذا الشهر بالتعاون مع الشركة الاستشارية الدولية، «يشي باستمرار ترجيح كفة الإحباط التي تسود الأوساط كافة تبعا لتفاقم التعقيدات الداخلية بشأن ملفات محلية وخارجية شائكة، والتي تحول حتى دون انعقاد الجلسات الدورية لمجلس الوزراء، وهذا ما يكفل بتعميم أوسع لحال عدم اليقين».
ووفق مسؤولين ماليين ومصرفيين، فإن «النوايا الطيبة» والمتبادلة بين الحكومة وإدارة الصندوق والهادفة إلى تسريع بدء المفاوضات الرسمية بهدف توقيع ورقة التفاهم توطئة لإطلاق مفاوضات التوصل إلى اتفاقية برنامج تمويلي متوسط الأجل من 3 إلى 5 سنوات، تصطدم واقعيا بوقائع داخلية غير مشجعة لجهة ضمانات الاستقرار السياسي والأمني قبيل دخول البلاد في حقبة الانتخابات التشريعية، ومزخمة بتوسع الخلافات بشأن ملف العلاقات الخارجية، لا سيما ما يتصل بالأزمة المستجدة مع دول الخليج.
وفيما ينشد لبنان الحصول على برنامج تمويل قد لا يتعدى 5 مليارات دولار من الصندوق، لفت المسؤول المالي إلى حقيقة صادمة تتمثل بإنفاق ما يتخطى 10 مليارات دولار منذ بدء جولات التفاوض في عهدة الحكومة السابقة وعبر تغطية لاحقة من المرجعيات الرئاسية، على دعم شبه عقيم للمواد الأساسية وسائر المصاريف الخارجية للدولة، ما تسبب بنفاد تام للاحتياطيات الحرة لدى مصرف لبنان، وبالتالي انحدار إجمالي احتياطيات العملات الصعبة لدى البنك المركزي لتصل إلى نحو 13.6 مليار دولار، أي ما يقل عن نسبة التوظيفات الإلزامية بنسبة 14 في المائة المفروضة على الودائع المحررة بالعملات الأجنبية في الجهاز المصرفي والبالغة حاليا نحو 106 مليارات دولار، مع التنويه بوجود نحو 80 مليار دولار كتوظيفات استثمارية تعود للجهاز المصرفي لدى مصرف لبنان.
ورصدت المصادر جهودا واعدة يبذلها ميقاتي والفريق الاقتصادي في الحكومة بهدف إحداث تحولات جدية في معالجة قضايا مستعصية تقع تحت اهتمام صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها معضلة الكهرباء التي تشهد فعليا تحسنا متدرجا ومرضيا يؤمل أن تبدأ بشائره الميدانية بزيادة التغذية بالتيار إلى نحو 12 أو 14 ساعة يوميا بدءا من أوائل العام المقبل.