مجزرة مرضى السرطان.. لا ادوية ولا علاج وحياة المصابين بخطر

10 نوفمبر 2021
مجزرة مرضى السرطان.. لا ادوية ولا علاج وحياة المصابين بخطر

كتبت رجانا حمية في صحيفة “الأخبار” ما من تعبير أدقّ من “المجزرة” لوصف ما يتعرّض له مرضى السرطان في لبنان. أدوية أساسية يستخدمها هؤلاء ولا بدائل لها “مقطوعة”، ودولة بكاملها تخضع لابتزاز تجار الدواء الذين يمتنعون عن استيرادها ويلعبون بحياة المرضى لتحصيل مستحقاتٍ مفترضة، في ذمّة واسعة لمصرف لبنان وحاكمه. في النتيجة، نحو 80% من أدوية مرضى السرطان لا أثر لها، وبروتوكولات العلاج باتت تعتمد طريقة “التجربة والخطأ” مع استخدام أدوية لا دليل علمياً قاطعاً على فعّاليتها.

“أحدث” الإحصاءات الصادرة عن السجل الوطني للسرطان، وتعود إلى عام 2016، تشير الى ارتفاع عدد الإصابات الجديدة بـ 12 ألفاً و238 إصابة. لتقدير الرقم في السنوات الخمس التالية حتى عام 2021، يمكن الاستعانة بتقرير المرصد العالمي للسرطان الذي يتحدث عن 28 ألفاً و764 إصابة جديدة خلال هذه الفترة، من بينها 11 ألفاً و600 حالة سُجّلت عام 2020. وإلى هؤلاء، هناك آلاف المصابين «القدامى» الذين يستكملون علاجاتهم، ما يرفع الرقم إلى عشرات الآلاف. هؤلاء، جميعاً، يعيشون أزمة مفتوحة منذ نحو عامٍ ونصف عام، كان “النصف” الأخير فيها الأصعب مع انقطاع نحو 80% من أدويتهم، بعد امتناع المستوردين والتجار عن استيرادها بسبب توقف مصرف لبنان عن توقيع ملفاتهم، إضافة إلى خلاف عالق بين الطرفين حول مستحقاتٍ قديمة. أراد المستوردون تحصيل حقوقهم فلم يجدوا سوى قطع الدواء عن المرضى، وهو ما لا يزال مستمراً، وإن كانت مصادر وزارة الصحة تشير إلى انفراجة قريبة.لكن، في انتظار أن تتحقّق “النبوءة”، يتساقط مرضى السرطان كالعصافير. لا دواء يسند ما تبقّى من القوة. صحيح أن “من المبكر الحديث عن تأثير هذه الأزمة في رفع عدد الوفيات”، على ما يقول الدكتور نزار بيطار، رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض التورّم الخبيث. إلا أن ما يحدث مع مرضى السرطان ليس أقل من “مجزرة” يمارسها التجار ومصرف لبنان بمباركة الدولة.يشبّه بيطار ما يحصل مع مرضى السرطان “بحربٍ نخوضها مع إسرائيل، ثم تأتي الدولة لتقول لنا: فليدافع كل فردٍ عن نفسه، فهل باستطاعتنا ذلك؟”.بمعاناة المرضى مع أزمة الدواء، يخسر هؤلاء المعركة، إما بسبب فقدان بعض الأدوية كلياً من السوق أو بسبب احتكار أصحاب المستودعات والمستوردين وبعض الصيادلة لبعضها. وما يصعّب هو استحالة استيراد المريض أدويته مباشرة من الخارج لأن أدوية الأمراض السرطانية تأتي عبر وزارة الصحة مباشرة أو عبر شركات استيراد الدواء، ولا تسلّم للأفراد، وهي بالتالي “أدوية مستشفيات”، على ما يقول وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة. أضف إلى أن أسعارها باهظة، وهي «أدوية لها خصوصية إذ تُعتمد فقط في مراكز إعطاء العلاج”.
 
معاناة مصابي السرطان تبدأ بانقطاع الأدوية ولا تنتهي بغلاء الفحوص الأساسية ما قبل العلاج أو خلاله، والتي تضاعفت أسعارها كثيراً، إضافة إلى فواتير الاستشفاء التي تُعدّ بعشرات ملايين الليرات. وليست هذه تفاصيل، إذ إن تأخير الفحوص المخبرية عن وقتها المفترض «يؤثر على العلاج وفعاليته»، على ما يقول الصغير، مشيراً إلى أن هناك اليوم مرضى كثيرين يتأخرون في إجراء فحوصاتهم بسبب أكلافها المرتفعة، «ومنها أحد الفحوص الذي نجريه في مرحلة مبكرة لنقرر على أساسه ما إذا كان المريض يحتاج إلى علاجٍ كيميائي أم لا، إذ تبلغ كلفته 3500 دولار لأن المستشفى يستعين بمختبرات في الخارج». لذلك، معظم المرضى تخلوا عن هذا الفحص، ما يدفع الأطباء اليوم إلى «تقدير الحالة واتخاذ القرار بالعلاج الكيميائي على أساس خبرتنا، علماً أن هناك بعض الأمور الدقيقة التي تستوجب هذه الفحوص».وإلى ذلك كله، تُضاف أزمة هجرة الأطباء، ومنهم أطباء التورّم الخبيث، ما يؤثر سلباً أيضاً في استكمال العلاجات، إذ إن «التنقل بين الأطباء وانتقال الملفات بين أكثر من طبيب ينعكسان سلباً، لأن الطبيب الرئيسي هو من يعرف أكثر عن مريضه». وفي حالة مرضى السرطان، ثمّة خصوصية لهؤلاء، إذ إن «كل مريض يختلف عن الآخر، وهو ما يجعل الملف أهم نقطة في العلاج»، يقول خليفة.