أن يستيقظ اللبناني ليجد سيارته في مكانِها، لكن بلا دواليب، لهو مشهدٌ قد يلفت الجميع إلا هي، إلا دولتنا الحبيبة. غريب كل ما يُصيبنا. والأكثر غرابة أن تكون ردة فعل ذاك اللبناني قوله: “كتر خير الله… طلعت بالدواليب ومش بالسيارة”! هي ظاهرة تتمدد بعد ظاهرة سرقة مرايا السيارات وبطارياتها والمسّاحات والراديوات والوقود وعلامات ماركات السيارات والكاتاليزور والمصابيح… وزغرتا والبترون شاهدتان.
قبل يومين وجد أكثر من مواطن في البترون وفي زغرتا مركباتهم بلا دواليب. وبعض هؤلاء كانوا ينزعون البطاريات ليلاً كي يحموا مركباتهم من السرقة لكن، كما تعلمون، “نوم الحارس مصباح السارق” ولبنان سايب بلا حراس. ومن لا ينجح من “الحراميي” بسرقة السيارة كاملة “يفرطها” و”يشفطها” قطعاً. فهل على اللبنانيين أن يحموا أنفسهم؟ هل يفترض بهم تعميم الأمن الذاتي في مناطقهم؟نواطير الليلفي زغرتا، طرح أحدهم حلاً وفيه: “وجوب منع التجول التام في قضاء زغرتا إلا للحالات القصوى بين الساعة 11 ليلاً والساعة السادسة صباحاً لأن أرزاقنا مش حلال لحدا” وسأل: “مَن مع ومَن ضدّ”؟ هذا الطرح أعلن بعد سرقة دواليب سيارات في “نص دين” شارع زغرتا بعد “نص الليل”، وبعد تزايد ظاهرة مرور بيك آبات، في شكلٍ شبه دوري، في المدينة “يلملم” من فيها دواليب السيارات المركونة، المثبتة. والأمن “سايب على الله”! طبعاً لم يستهوِ طرح “منع التجول” كثيراً من الزغرتاويين الذين طالبوا بدلاً منه بتوظيف نواطير الليل. لكن، من يدفع للنواطير؟ وماذا لو تحوّل “حاميها الى حراميها” ما دام الحدّ الأدنى الذي قد يتقاضاه “ناطور” لا يكفيه حتى لينفث الدخان ليلاً “علها تنجلي” أقله في عينيه. في إختصار، ثمة شكوك في كل شيء.
فهناك، في المناطق التي شهدت أخيراً على كمٍّ من سرقات الدواليب، يُكررون ذكر “الشباب الصايع” على كثير من الطرقات ليلاً ومنها بين العقبة وأطراف بيت البايع وحي مرقس وصولاً الى كفرحاتا ونزلة سيتي كافيه… فهل هؤلاء من يقومون بالسرقات بعد “نصاص الليالي” أم أن هناك شبكات غير منظورة تترصد أهدافها نهاراً كي تنشط في الليالي المظلمة؟ الثابت الوحيد أن هؤلاء من التابعية السورية ومن اللبنانيين أيضاً.ما يحصل في زغرتا حصل في البترون وقبلهما في الأشرفية وطرابلس وجرجوع… ثمة شبكات تنشط اليوم، على أبواب الشتاء، في سرقة دواليب السيارات بعد نشاطها في سرقة بطاريات السيارات في الفترة الأخيرة. وكلنا نعلم كلفة تركيب أربعة دواليب على سيارة متواضعة حجم دواليبها 14 أو 15 فكيف بدواليب السيارات الكبيرة؟عَ ضو القمرسرقات متنوعة تحصل يومياً في لبنان تحت “ضوّ القمر” وأحياناً تحت “ضوّ الشمس” في بلدٍ وصل إستهتار اللصوص به بالأمن الداخلي الى الحدّ الأقصى. فلنسأل باعة الدواليب عن أسعارها اليوم؟ وهل هناك من شارين أم أن اللبنانيين “الذوات” باتوا يبحثون بالسراج والفتيلة هم أيضاً عن دولاب مستعمل يجدونه غالباً عند السارقين؟عشرات صفحات إعلانات بيع الدواليب المستعملة موجودة على “السوشال ميديا”. فلنتابعها. دولاب دراجة نارية بسعر 15 دولاراً. جنوطة هيونداي 4 براغي قياس 14 أو 15 للبيع. طقم بيجو قياس 15 لعشاق الفخامة والتميز. جنط 18 مع دولابين مستعملين. جنوطة بي أم دبليو مع دواليب قياس 20… العروضات كثيرة في لبنان وفي سوريا كمان. فما يحدث هنا سبق وحدث (وما زال) مثله هناك. نفس الأفكار في البلدين الشقيقين. فالقلة تدفع السارقين الى التفكير بخيارات. والموسم موسم سرقة دواليب.إتصلنا بشبابٍ يعرضون دواليب مستعملة للبيع فسألونا عن “طلبنا” الذي يمكن تأمينه في خلال 48 ساعة. فكل شيء موجود أو سيوجد. المهم أن ندفع الثمن “كاش”. لكن، من أين؟ من أين يأتون بتلك الدواليب؟ماذا عن سوق الدواليب اليوم في لبنان؟أحد محال بيع الدواليب العريقة في بيروت يبدو وكأنه ما زال يعيش في “الايام الذهبية”. يقول: “بسبب تغيّر حالة الطقس تشهد إطارات السيارات تلفاً وتفقد الأداء المطلوب الأمر الذي يتسبب بمخاطر على السائق والآخرين في حال وقوع أي حادث. لذا يجب الحفاظ على صحتها كونها أهم الأجزاء لقيادة سيارة سليمة وبالتالي يجب إستبدالها، كلما دعت الحاجة، كي تبقى صالحة”. ممتاز. هو يقول ما نعرفه لكن ما بتنا نعرفه أيضاً هو أن اللبنانيين عاجزون عن شراء الدواليب الجديدة فماذا يفعلون اليوم؟ كيف يتصرفون؟ يجيب: “يا دلّ اللبنانيي” أصبحت تليق بهم أغنية “شحاذين يا بلدنا” ثم يستطرد بالكلام عن “عشرات الشبان الذين يأتون يومياً عارضين عليه شراء دواليب مستعملة لا تزال جيدة. وحين يطالبهم بتفسيرات حول مصدرها يغادرون. ثمة شبكات ناشطة في البلد تسرق ليلاً الدواليب وتبيعها نهاراً الى محال الدواليب أو عبر صفحات “السوشال ميديا”.نحن لا نستورد “رسمياً” في لبنان، من زمان،إلا دواليب جديدة، على ان تكون ذات مواصفات عالية، لكن كان يا مكان في قديم الزمان. فكل شيء للأسف يسوء. فاللبنانيون غير قادرين بمعظمهم على تركيب دواليب جديدة و”الزفت الرسمي” تعبان يؤثر سلباً على القيادة. لهذا تكثر حوادث السير.