لا أحد ينسى كيف أن عهد الرئيس ميشال عون قد بدأ بخلاف مع الرئيس نبيه بري الذي لم يشارك في انتخابه رئيسًا للجمهورية. وينتهي اليوم، ومع دخول العهد سنته الأخيرة، بخلاف مع بري، وقد إرتفع منسوب التصعيد بين الرجلين وأصبح أكثر وضوحًا وشراسة في اليومين الأخيرين.
فالخلاف بين عون وبري كان السمة البارزة في مسيرة العهد، وشهد مناوشات كثيرة، ومن بينها إتهام رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل رئيس المجلس بـ”البلطجة”، والتي أدّت لاحقًا إلى إضطرار الرئيس عون لتقديم إعتذار علني، ولكنه لم يكن كافيًا لتطبيع العلاقة بين “بعبدا” و”ميرنا الشالوحي” من جهة، وبين “عين التينة” من جهة أخرى.
فقد جاء السجال المتجدد وبعنف بين عون وبري ليتّوج حالًا من الإنسداد السياسي والإنهيار المؤسساتي الذي طالت شظاياه الجسم القضائي، وليُحكم الربط والتداخل بين مكّونات الأزمة والملفات القضائية والحكومية والإنتخابية، وليُعزز الشكوك والهواجس في شأن الإستحقاقات الدستورية والسياسية في الأشهر المقبلة.
لم يسبق أن حصل يوما مثل هذا الإشتباك السياسي الإعلامي المكشوف والمفضوح في شكله ومضمونه بين رئاستي الجمهورية والمجلس النيابي، مع إسقاط الهدنة الهشة بين “بعبدا” و”عين التينة” وانفجار العلاقة التي كانت منذ العام 2016 “نارا تحت الرماد”. وهذا التطور السياسي الدراماتيكي يعني أولًا أن العلاقة بين عون وبري سقطت بالكامل، وقد خرجت عن سيطرة لم يعد في الإمكان ترميمها.
ويعني ثانيًا، أن الأزمة العميقة والمتشعبة بكل أشكالها ومستوياتها والمعززة باشتباكات سياسية ورئاسية، لم تعد مجرد”أزمة حكومية” وإنما تحولت الى “أزمة حكم” وتنطوي بالتأكيد على “أزمة نظام”.
ويعني ثالثًا، أن ما يجري في السياسة وعلى الأرض ما زال من حيث المبدأ في دائرة الضبط ولن يصبح مصدر تهديد جدّي للأمن والإستقرار.
وأمام هذه الأزمة المفصلية بين مكونين وموقعين أساسيين في البلاد يستصعب البعض الإقتناع بأن “حزب الله” غير قادر على ضبط الخلاف المتفّجر بين حليفيه، وأنه لو كان يريد ذلك فعلًا لأستطاع لجم هذا التدهور السياسي المريع، ويهدّد بتفاقم التوترات السياسية والطائفية وانتقالها الى الشارع.
ولكن الحزب، على ما هو ظاهر، لا يقيم وزنًا للحسابات الخاصة الداخلية، لأن الأولوية فيها بالنسبة إليه هي لإدارة “التوازنات ـ التناقضات” واستمراره بالإمساك بخيوط اللعبة. إلاّ أن فائض القوة الأمنية والعسكرية الذي يملكه الحزب لا يؤهله، على ما يبدو، لفرض قواعد اللعبة السياسية التي يريدها وتناسبه. وهذا ما يحصل الآن في موضوع الخلاف بين بري وعون، وحيث يحرص على عدم التحّول طرفًا في هذا الخلاف الذي يدور بين حليفين أساسيين له، ويتهيّب التدخل والشروع في عملية مصالحة غير مضمونة. وهذا الموقف لا يرضي الطرفين، حيث أن كل طرف يريد من الحزب أن يتدخل ويضغط لمصلحته. لقد بات واضحًا أن موقف “حزب الله” مما يجري بين الرئاستين الأولى والثانية محكوم بالحسابات التالية:
– الرئيس نبيه بري مهم جدًا في حسابات البيت الداخلي والحفاظ على إستقرار الطائفة الشيعية وتماسكها. فإذا لم يعد قادرا على فرض ما يريد، فإنه ما زال قادرا على رفض ما لا يريد. وهو بالنسبة إلى الحزب خطّ أحمر، وهذا ما سبق أن أكدّه أكثر من مرة السيد حسن نصرالله.
– الرئيس ميشال عون حليف سياسي واستراتيجي للحزب. وطالما هو في قصر بعبدا، فإن الحزب لا يفّرط بالعلاقة معه، وستبقى العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” على هذه الحال من التأرجح. تترنح ولكن لا تسقط.
وعلى هذا الأساس، وحتى يحين موعد الإنتخابات النيابية، إذا حصلت، سيبقى الخلاف بين حليفي “حزب الله” على حاله من التوترّ، والمتوقّع أن يتطّور في الأيام المقبلة، مع ما يتركه من إنعكاسات سياسية، وبالأخصّ على الوضع الحكومي، فيما يبقى الحزب مكتوف اليدين، أو بالأحرى يحاول نأي نفسه عن هذه الخلافات، التي قد يحرق بها الأوراق الذي لا يزال يتحكّم بها.