خلافًا لما كان متوقَّعًا، جاء خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله “هادئًا” نسبيًا، حيث لم يرفع سقف التحدّي إلى أعلى المستويات، ولم يصل بالتصعيد إلى ذروته الموعودة، حتى إنّه لم يتبنّ المصطلحات التي اعتمدها قياديو “الحزب”، وبينهم نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، من “عدوان” و”اعتذار”، وما إلى ذلك.
صحيح أنّ مقاربة نصر الله لموضوع الأزمة مع دول الخليج أتت “متناغمة” مع سياسة “الحزب”، فهو رفض الحديث عن “أزمة لبنانية خليجية”، وفقًا للمصطلح الرائج، متهمًا المملكة العربية السعودية بـ”افتعالها”، كما جدّد معارضة فكرة “استقالة أو إقالة” وزير الإعلام، إلا أنّه في الوقت نفسه لم يقفل “أبواب الحلّ”، حيث بقي تصعيده “مضبوطًا” إن جاز التعبير، بعدما كان الخشية من أن “يطيح” بكل الجهود المبذولة.
أما في الداخل اللبنانيّ، فكان لافتًا أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” تبنّى خطابًا يميل أكثر نحو “التهدئة”، فهو لم يخض في سجالات الأيام الأخيرة مع “الرفاق والخصوم”، وتجاهل انتقادات حلفائه في “التيار الوطني الحر”، وابتعد “ذاتيًا” عن موضوع الحكومة، مكتفيًا ببعض الثوابت “القضائية”، على غرار نفي حصول أي “مقايضة”، وهو ما أوحى لبعض المراقبين بإمكانية التوصل إلى “تسوية ما” من شأنها “تليين الموقف”.
ردّ غير مباشرفي موضوع الأزمة مع الخليج، لم يخالف السيد نصر الله التوقعات، فكان موقفه معارضًا للإجراءات التي أقدمت عليها دول الخليج إزاء لبنان، والتي اعتبر في مكانٍ ما أنّها “تمسّ بالسيادة”، لكنّ معارضته هذه جاءت، خلافًا للتوقعات، “مضبوطة” إلى حدّ بعيد، من دون أن يذهب في “التصعيد” إلى حدوده القصوى، كما فعل بعض قياديّي ومسؤولي “حزب الله” في الأيام الأخيرة.
هكذا، استند نصر الله إلى مقاربة “هادئة” للأزمة التي قال إنّ السعودية “افتعلتها”، متحدثًّا عن عدّة احتمالات، بينها أن تكون تصريحات وزير الإعلام مجرّد “حجّة”، لكن بينها أيضًا أنّ المملكة فوجئت بهذه التصريحات ولم تكن على دراية مسبقة به. وكان لافتًا كيف قارن نصر الله بين “ردة الفعل” الخليجية على تصريحات قرداحي وتصريحات مماثلة لمسؤولين آخرين، لم تستوجب إعلان “الحرب الدبلوماسية” كما تعاملت مع لبنان.
لكنّ أهمّ ما في حديث نصر الله حول الأزمة مع الخليج قد يكون في “ردّه غير المباشر” على ما يعتبرها الأسباب الحقيقية لما حصل، والمرتبطة بـ”سيطرة حزب الله على القرار” في لبنان. وهنا، بدا كأنّ نصر الله فتح “ثقب الحلّ” الذي كثر الحديث عنه، من خلال التقليل من وقع هذه النظرية، عبر نماذج “تدحضها” بشكل أو بآخر، خصوصًا حين لفت إلى “عجز” الحزب المتهم بالسيطرة على البلد عن اتخاذ قرار “بسيط” كتنحية قاضٍ، لا أكثر ولا أقلّ.
“تعطيل” الحكومة بالموازاة، غاب ملفّ “تعطيل” الحكومة عن كلمة السيد نصر الله، حتى إنّه لم يكرّر “ثابتة” أنّ مجلس الوزراء لن يلتئم قبل “تنحية” القاضي طارق بيطار، في مقابل نفيه أي “مقايضة” يتمّ العمل عليها بين ملفي التحقيق بانفجار مرفأ بيروت وأحداث الطيونة، وإن كان البعض يعتقد أنّ عدم الحديث عن الملف قد يعني “المراوحة” أكثر منه الإيحاء بإحراز “تقدّم” ما على هذا الخط.
لكن، حتى لو بدا هذا الاعتقاد “واقعيًا” في جانب كبير منه، فإنّ مجرّد “الصمت” قد يُفسَّر “إيجابًا”، فهو بالحدّ الأدنى يفسح في المجال أمام “وساطات” الحلّ، التي بدت الطريق مقفلة بالمُطلَق أمامها في الفترة الماضية، علمًا أنّ تجنّب السيد نصر الله الردّ على انتقادات “الحلفاء” في هذا الإطار بدا معبّرًا هو الآخر، ولو أنّ البعض يضعه في خانة إصرار الحزب على معالجة “التباينات” في الغرف المغلقة، لا في العلن.
وقد “يتناغم” كلام نصر الله في هذا السياق، مع ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل يومين، عن وجود “إيجابيات” في الأفق، ولو أنّ مثل هذه “الإيجابيات” لم تنضج بعد، وهي لا تزال بحاجة إلى توافر “الإرادات” اللازمة، حتى يصبح بالإمكان ترجمتها على أرض الواقع، علمًا أنّ الأجواء التي أرخاها الخطاب، فضلاً عن مواقف اليومين الماضيين، إن لم تحدِث خرقًا فعليًا، فهي على الأقلّ قد تفتح “بابًا”.
قد يكون كافيًا أنّ خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” جاء “أهدأ ممّا كان متوقَّعًا”، ليشرّع “التفاؤل” بخروقاتٍ على المشهد، تعيد الحكومة على الأقلّ إلى “صراطها المستقيم”، إن جاز التعبير، بعيدًا عن حالة “الشلل والتعطيل” المهيمنة عليها. لكنّ الأكيد أنّ مثل هذه اللهجة الهادئة لا تعني الكثير، فالمطلوب “خرق ملموس” يترجم الأجواء الإيجابية على الأرض، وإلا فإنّ “المراوحة القادمة” تطيح بكلّ شيء!.