بدا واضحاً أن المرحلة الماضيّة تركت ضغطاً ضمن قاعدة تيار “المستقبل” الحزبية، وذلك بعد الكلام الذي أثيرَ عن نيّة الرئيس سعد الحريري الانسحاب من الحياة السياسية.
ورغم أن الأخير لم يعلّق على ما يطاله، وفي ظلّ تكفّل بعض مسؤولي “المستقبل” توضيح التوجهات المقبلة لحزبهم السياسي، يبقى الأمر الأكيد حتى الآن أنّ الكوادر المستقبليّة تنتظرُ عودة الحريري إلى لبنان، والتي يُقال إنها باتت قريبة. وعلى هذا الأساس، ستضح الآفاق التي سيعمل زعيم “المستقبل” ضمنها، كما ستنكشف “كلمة الفصل” إزاء الملفات الراهنة، وستبرزُ خارطة الطريق التي سيتم اعتمادها على المستوى السياسي.
تغييرات وخطوات
مع “رجعة” الحريري، يُعوّل من هم مع “المستقبل” على ورشة عمل جديدة، وقد يترافق ذلك مع تغييرات جوهريّة على مستوى القيادة والأقطاب والوجوه التمثيليّة مثلما حصل في العام 2018. وحتماً، الأمور كلها ترتبط بقرارٍ من الحريري الذي تنتظره الكثير من المهمّات في المرحلة القادمة وتحديداً قبل الانتخابات النيابية التي قال يوم 15 حزيران الماضي إنه “مصرّ على خوضها ليردّ على كلّ الموبقات التي ارتكبت بحق تيار المستقبل”.
وبعيداً عن حديث التحالفات السياسيّة والمعارك الرئاسية، يبقى لزاماً على الحريري، في حال أراد خوض الانتخابات فعلاً، ترتيب البيت الداخلي وإطلاق عملية تعبئة حزبيّة داخل “المستقبل” لاستنهاض جميع الكوادر والحزبيين. فحتى الآن، لا شعار واضحا للحملة التي سيخوضها التيار قبل الاستحقاق المُنتظر في آذار 2022، كما أنه ما من صورة واضحة للتوجهات التي سيعتمدها “المستقبل” في مخاطبته للجمهور. أما الأمر الأهم فيتحدّد بقيمة ومصدر التمويل المستخدم، وبالآلية التي من خلالها سينجح التيار في استقطاب الناس من جديد وإقناعهم بتحالفاته وبرنامجه.
وعن هذا الأمر، تقول مصادر في “المستقبل” لـ”لبنان24″ إن “العمل مستمرّ داخل التيار والتحضير للأرضية الانتخابية قائم ومستمر، وهناك إصرارٌ على البقاء رغم كل الساعين لضرب المستقبل ومسيرته”. وتضيف: “ما يتبين هو أنّ المعركة ترتبطُ بالوجود، وهناك من يسعى لإلغائنا، وهذا الأمر يتطلّب توحيد الجبهات حفاظاً على إرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصوناً لوحدة الطائفة السّنيّة أمام العواصف السياسية المتقلّبة في لبنان”.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الحريري يحتاجُ إلى إعادة النّظر في علاقاته السياسية وآفاق تحالفاته. وكما هو معلوم، فإنّ بعض الظروف قد تحتّم الالتقاء مع الخصوم من أجل تحقيق مصلحة انتخابية في بعض الأماكن، ما يعني أن الحريري قد يضطر للالتقاء مع مناوئين له في بعض الدوائر الانتخابية. كذلك، فإن زعيم “المستقبل” قد يجد نفسه مضطراً للنزول شخصياً إلى القاعدة الشعبية ومخاطبتها حول خيارات التحالفات، وهو الأمر الذي يعتبرُ مطلوباً بشدّة خصوصاً أن التيار “الأزرق” يرى أن الاستهداف يطالُ بقاءه بالدرجة الأولى.
وفي غمرة التدهور الاقتصادي الذي يضرب غالبية اللبنانيين، فإنّ “المستقبل” لا يجب أن يكون بعيداً عن مدى التأثير المالي على سياق الانتخابات، وعلى الحريري أن يدرس أوراق القوّة على هذا الصعيد خصوصاً أن الأوضاع الحالية تختلف عمّا كانت عليه قبل سنوات. وفي هذا الصدد، قد يضطر بعض المستقبليين بمطالبة الحريري بالزام كبار المتمولين الذين يدورون في فلك التيار بدعم الحملة الانتخابية مالياً، خصوصاً أن بعض الشخصيات التي كانت تتولى الشؤون الاقتصادية في التيار باتت بعيدة عن المشهد.
إذاً، وعلى أساس تلكَ الأمور، يتوجّب على الحريري حسم خياراته بشكل جيّد، ومن المفترض أن يحظى ذلك بعملٍ حزبي دؤوب من مختلف الكوادر لإبعاد شبح الإلغاء عن التيار، وإلّا فإن الانكفاء السياسي الذي يطمحُ الخصوم لحصوله قد يتحقّق.