تتكاثر الاستحقاقات والمواعيد على المواطن اللبناني المنهك والمتعب واللاهث وراء لقمة العيش وكل تفاصيل يومياته التي باتت بساعاتها معارك صراع وحرب مع الذات والآخر بهدف البقاء على قيد الحياة.
وفي طريق المحاولة للاستمرار في الحياة، تبدو انفاس المواطن مرتبطة بآلات الأوكسيجين التي وُضع الوطن في غرف انعاشها بغية المحافظة على استقرار دقات قلبه لحين بلوغ المواعيد الدستورية التي من المفترض ان تعيد تشكيل السلطات بأبعادها المختلفة.
لكن وعلى ما يبدو، تشكل المواعيد الدستورية هاجسا لدى بعض التيارات والأحزاب والقوى السياسية، التي وعن طريق لجوئها للتعديل أو الطعن، تحاول اظهار المواعيد والتواريخ كهدف مباشر للاستحقاقات الانتخابية وهذا ما قد يضع العصي في دواليب قطار الوطن الذي باتت المسافة بينه وبين معارك الـ 2022 الانتخابية قريبة جدا.
والمعارك التي ستدور ما بين صناديق الانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية، لا بد لها من ان ترسم خارطة طريق جدية للخروج من المأزق الحالي ومن حالة الدوران في الفراغ المستمر ، والا سيكون الحديث حينها عن تغيير للنظام أمسى ملحا وضروريا وأكيدا.
اذا، 3 استحقاقات تنتظر المواطن اللبناني من بينها استحقاق بلدي يرتبط ارتباطا مباشرا بحياته وحاجاته وهمومه، فكيف يبدو التعاطي مع هذا الاستحقاق؟
الانتخابات البلدية ليست أولوية
في هذا الاطار يقول مصدر متابع لـ “لبنان 24″، أن الانتخابات البلدية لا تشكل محط اهتمام بالنسبة لأهل السياسة، اذ انها في بعدها الحقيقي تجيب عن اشكاليات الانماء والوقوف الى جانب المواطن، وللأسف تبدو اهتمامات الجزء الأكبر من اهل السياسة بعيدة عن المواطن واولوياته، لذلك نرى الصراعات السياسية العقيمة تتكرر دون كلل وملل.
وبالتالي فان الهوة الفعلية بين المواطن والسلطة تتسع بشكل كبير جدا، فالاحزاب تبحث عن حضورها السياسي وعن مصالحها المرتبطة بالخارج، دون الاخذ بعين الاعتبار أن السياسة وجدت أصلا لادارة شؤون المواطن وتأمين متطلبات حياته الكريمة المختلفة والمتعددة.
لذلك، وانطلاقا من المبدأ القائل بان الانتخابات البلدية، لا تؤثر على الشكل العام للسياسة في لبنان ولا يمكن لها ان تحدد الاتجاه الفعلي للأكثرية والاقلية التي من خلالها سيحدد المجتمع الدولي والاقليمي والعربي نظرته الى لبنان، يتعامل الجزء الأكبر من المسؤولين مع هذا الاستحقاق باستخفاف تام، اذ انهم يفضلون صرف طاقاتهم المادية وغير المادية على المعارك السياسية التي تخدم وجودهم لا على المعرك الانمائية التي قد تعيد شيئا من كرامة المواطن”.
لهذا السبب يصبح تأجيل الانتخابات البلدية مبررا،
اما من الناحية القانوية والدستورية وفي حديث لـ “لبنان 24″، يرى الأستاذ المحاضر في القانون في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتور رزق زغيب ان” الانتخابات المحلية اي البلدية والاختيارية والانتخابات النيابية تأخذان القوة الدستورية عينها وذلك من باب حق المواطن في ممارسة حق الاقتراع دوريًا ومن باب الزامية تداول السلطة والمسؤولية”.
ويدعم زغيب رأيه مستعينا بقراري المجلس الدستوري (1/97 و 2/97) الصادرين في العام 1997 ، بعد الطعن الموجه له في موضوع التمديد للمجالس البلدية والاختيارية.
وفي حينها أكد المجلس الدستوري ان” قوام الديمقراطية يكون في مشاركة الشعب في سير الحياة العامة وفي ادارة الشؤون العامة وايضا في احترام الحقوق والحريات العامة وينسحب ذلك على المستوى المحلي كما هو على المستوى الوطني”.
واعتبر أن ” الديمقراطية لا تأخذ فقط وجها سياسيا يقوم على مشاركة الشعب في الحكم عبر ممثليه وفي ادارة الشؤون الوطنية، ولكنها تأخذ ايضا وجها اداريا يقوم على مشاركة الجماعات المحلية في ادارة شؤونها الذاتية من خلال مجالس منتخبة تتولى هذه الشؤون”.
وبناء عليه رفض المجلس الدستوري مبدأ تمديد ولاية المجالس المحلية اذ ان” قيمة الاقتراع هي نفسها في حال ممارسته على مستوى الانتخابات النيابية ام على مستوى الانتخابات المحلية”.
ويختم زغيب مشيرا الى انه وفي حال “تزامنت الانتخابات النيابية مع الانتخابات المحلية، يصبح تأجيل الاخيرة وتمديد ولاية مجالسها لمدة محددة ممكنا ومبررا، فحسب الاجتهاد الفرنسي لا تعد عملية التأجيل في هذه الحالة استثناء لمبدأ دورية الانتخاب، اذا يعتبر التأجيل حصل لحجة سليمة، لاسيما اذا ما ارتبط باعلان تاريخ جديد للانتخابات”.
بكل الأحوال وبغض النظر عن اهتمامات أهل السلطة وعن البعد القانوني المرتبط بفلسفة الدستور لناحية ممارسة الديمقراطية، تبقى أحوال البلديات وقدرتها على الانتاج والانجاز هي الاشكالية الأهم، من هنا لا بد من السؤال، كيف يمكن للبلديات من أن تستمر في مهامها في ظل ميزانيات تصرف عال الـ 1500 وبـتأخير ملحوظ وغير مبرر؟
المصدر:
لبنان 24