كتبَ المحرّر السياسي:
مجدّدًا، تشهد العاصمة اللبنانية بيروت حراكًا دبلوماسيًا هذا الأسبوع، على وقع استمرار الأزمة غير المسبوقة مع دول الخليج وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية، بعدما وصل وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، وسط توقّعات بأن يلحقه وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وفق ما تكشف المعلومات، ولو لم يتحدّد موعد مثل هذه الزيارة رسميًا بعد.
ثمّة في لبنان من يعوّل على هاتين الزيارتين لعلّهما تنجحان في إحداث “خرق ما” على خطّ الأزمة، خصوصًا أنّهما تأتيان بعد دخول جامعة الدول العربية على الخط أيضًا، من خلال زيارة أمينها العام المساعد السفير حسام زكي إلى بيروت، ولو أنّ الأخير “حيّد” الجامعة عن أيّ مساعٍ أو جهود تبذلها هذه الدولة أو تلك، ووضع زيارته في إطار “استكشافي” لاستطلاع موقف الفرقاء اللبنانيين وموقعهم من المعادلة.
وإذا كان هناك من يتوقف عند “مفارقة” أن وزير الخارجية التركي وصل إلى لبنان آتيًا من إيران، في حين أنّ نظيره القطري سيأتي من الولايات المتحدة، ما يمكن أن يعطي الزيارتين “أبعادًا” أوسع وأعمق، ثمّة من يخفض أسهم “التفاؤل” إلى حدودها الدنيا، باعتبار أنّ أبواب الحلّ لا تزال “موصَدة” بالكامل، وأنّ أيّ “مرونة” لم تُرصَد في الأيام الماضية على المستوى العمليّ، وهنا بيت القصيد.
“الخطوة الأولى”
قد يكون من حقّ اللبنانيين التعويل على الحراك القطري والتركي، بعد ذلك العربي، لإنهاء ذيول الأزمة غير المسبوقة مع دول الخليج، والتي لا تزال تنذر بالأسوأ، في ظلّ إصرار البعض على “التبشير” بالمزيد من الإجراءات “التصاعدية” التي ستقدم عليها بعض الدول، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل من مقّومات لنجاح أي وساطة دبلوماسية في الظرف الحاليّ؟ ومن يفترض به أن يبادر ويتّخذ الخطوة الأولى في هذا الصدد؟
وفق متابعين، فإنّ الخطوة الأولى يجب أن تنطلق من القادة والمسؤولين اللبنانيين، وينبغي أن تتجاوز منطق الرسائل الإيجابية التي يؤكد عليها رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، عبر تجديد التمسّك بإقامة “أفضل العلاقات” مع دول الخليج وخصوصًا السعودية، لأنّه من الواضح أن هذه الرسائل، على أهميتها، لا تكفي، بل يجب “ترجمتها” بخطوات إجرائية، قد تكون استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي على رأسها.
صحيح أنّ هذه الاستقالة قد لا تفضي إلى الحلّ فورًا، خصوصًا إذا ما أتت من دون “ضمانات” يصرّ عليها الوزير، لكنّها بالحدّ الأدنى، وفق ما يرى كثيرون، من شأنها أن تشكّل “المَدخَل” إلى “النقاش الصريح” بين الجانبين، أو ربما، “البوابة” التي يمكن أن يَعبُر من خلالها “الوسطاء” في مسعاهم لتقريب وجهات النظر، ومن دونها ستكون مهمّتهم بلا شكّ أكثر صعوبة وتعقيدًا، لأنّ ما من شيء يمكن أن يستندوا إليه في الأساس.
الأزمة “طويلة”
عمومًا، وبمعزل عن هذه “الخطوة الأولى” التي لا يزال بعض الأفرقاء يرفضونها، إما لاعتقادهم أنّها “لن تغيّر شيئًا”، أو لرفضهم ما يسمّونه “خضوعًا للابتزاز” كما يروّج فريق “حزب الله”، فإنّ المخاوف تتصاعد من أن يكون لبنان دخل في أزمة “طويلة” مع المملكة العربية السعودية، قد لا تنتهي فصولاً في وقت قريب، حتى إنّ هناك من “يبشّر” أنّ هذه الأزمة ستصمد إلى الانتخابات النيابية المنتظرة في غضون أشهر، في الحدّ الأدنى.
ولعل ما يعزّز هذا المنطق استمرار “المراوحة” في المواقف على حالها، بين الأطراف المعنيّين بالأزمة، فالوزير قرداحي يرفض الاستقالة “دون ضمانات”، و”حزب الله” متمسّك بدعمه وتشجيعه، فيما المسؤولون السعوديون يكرّرون موقفهم “المبدئي” الرافض لسيطرة الحزب، وهو ما أعاد تأكيده وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مشددا على أنّ المملكة لا ترى “فائدة” من التواصل مع الحكومة اللبنانية إزاء ذلك، في الوقت الحاليّ.
ويعزّز المنحى “السلبي” في مقاربة الأمور أنّ الحراك الذي يعوّل عليه اللبنانيون لا يرقى حتى الآن إلى مستوى “المبادرة”، وهو ما يقوله محسوبون على قطر مثلاً، يفضّلون حتى الآن اقتصار الحديث عن “جهود” لا أكثر، علمًا أنّ هناك من يشكّك أصلاً بأن “تسلّف” السعودية الحلّ للدوحة أو أنقرة، رغم “سريان” المصالحة الخليجية، باعتبار أنّه لم تمضِ أشهر عليها، وبالتالي فإنّ ترسّبات مرحلة “الأزمة الخليجية” لم تنتهِ بالمُطلَق بعد.
ثمّة من يقول إنّ الأزمة “باقية” حتى الانتخابات النيابية المقبلة، بل “ما بعد” الانتخابات، باعتبار أنّ السعودية تريد، مثلها مثل الكثير من القوى الإقليمية والدولية، أن يكرّس الاستحقاق الديمقراطي واقعًا مغايرًا في لبنان، مثلما حصل في العراق مثلاً. لكن، هل يستطيع اللبنانيون “الصمود” حتى الانتخابات في ظلّ “قطيعة” خليجية، تضاف إلى سلسلة الأزمات التي لا تنتهي؟ لعلّ الإجابة على هذا السؤال تكفي لـ”تليين” بعض المواقف، وهنا بيت القصيد!