“المجتمع المدني”نكسة جديدة لمن لديهم بارقة أمل

17 نوفمبر 2021

كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”:قبل نحو أربعة أشهر من موعد الانتخابات، لا يزال «المجتمع المدني» غامضاً في تقديم نفسه في صورة واضحة وبرنامج عملي أبعد من شعارات تصلح لكل زمان ومكان، كـ«إسقاط الطبقة الحاكمة ومكافحة الفساد وبناء شبكة مواصلات وفرز النفايات…». كل من عمل في مجال الانتخابات وليس طارئاً عليها، كما هي حال من يحاول اختزال المجتمع المدني عبر أطر سياسية وإعلامية، يتحدث عن «الحالة الصوتية» الراهنة، في تقديم معارضي الأحزاب أنفسهم على طريق الانتخابات. الانتخابات هي «اسم وصوت وبرنامج عمل»، وليست فقاعة في الهواء. فأي مجتمع مدني لا يتحدث عن شعار سياسي واضح، ولا يأتي على ذكر الدستور والطائف وبرنامج عمل سياسي يُفهم منه أي شيء، عدا عن العداء للطبقة السياسية كلها. وأي مجتمع مدني لا تعرف منه سوى لافتات مرفوعة على الطرق أو خطب واتهامات عبر منصات التواصل الاجتماعي أو التلفزيوني تمعن في تهشيم الآخرين، وأبلسة كل المجموعات الشبابية الحزبية وليس القيادات فحسب. فمن الذي يقدر أن يحكم على عنصر حزبي من القوات اللبنانية أو حزب الله أو المردة أو التيار الوطني الحر والمستقبل وأمل والشيوعي الذي سبق الجميع بشعارات العدالة الاجتماعية، أقل انتماء لبنانياً من «ظواهر» المجتمع المدني لمجرد أنهم حزبيون، أو يعتبر أن أي عنصر حزبي أقل فكراً وعلماً وأخلاقاً من بعض الشخصيات التي تملأ الفضاء شتائم.

وأي مجتمع مدني هو الذي يعيّر الأحزاب السياسية بأنها تستغل وجع الناس لتصرف أموالاً انتخابية من مازوت ومولدات ومساعدات غذائية وأدوية، فيما هو يتقاضى مئات آلاف الدولارات من الخارج ولا تعرف وجهة صرف هذه الأموال سوى ما ظهر حتى الآن من حملات إعلانية وتسويق منصات إعلامية جوفاء، لا تغني محتاجاً ولا تؤمّن له دواء. وأي مجتمع مدني يخوض الانتخابات النيابية ولم يكلف نفسه عناء شن حملة موازية لفرض الانتخابات البلدية التي من المفترض أن تكون قاعدة العمل الإنمائي والحياتي، وهو الذي يستنسخ عمل هذه الجمعيات خارج لبنان ويتمثل بتجارب غربية. وأي مجتمع مدني ينطلق البعض منه بالتعاون مع مؤسسات أممية عبر وزارات وبرامج دولية ويتقاضى أموالاً طائلة، في حين يتهم كل الآخرين بخوض الانتخابات بأجندات ومشاريع خارجية. وأي مجتمع مدني يستغل انفجار مرفأ بيروت سياسياً ويستغل المساعدات من أجل تقديم نفسه كمرشح بديل عن كل القوى السياسية، فيما الجمعيات الإنسانية الحقيقية لا تزال تعمل بصمت بعد انفجار المرفأ لإعادة الإعمار ومساعدة المنكوبين من دون أن تقدم نفسها بديلاً سياسياً. وأي مجتمع مدني انطلقت شخصيات منه من الأحزاب نفسها فعملت لديها ونسّقت معها وسوّقت لها قبل أن تتحول إلى مجتمع مدني وجمعيات تراهن السفارات مخطئة عليها في قلب موازين السلطة. إنه مجتمع مدني سيظل مديناً للأموال الخارجية، ويشكّل نكسة جديدة للذين يعتقدون أن لديهم بارقة أمل في لبنان.