لا مقايضة ولا من يحزنون… الأزمة الحكومية تراوح مكانها؟!

18 نوفمبر 2021
لا مقايضة ولا من يحزنون… الأزمة الحكومية تراوح مكانها؟!

منذ وقعت الأزمة الحكومية التي جمّدت جلسات مجلس الوزراء، قبيل الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج، وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية، على خلفيّة إصرار ثنائيّ “حزب الله” و”حركة أمل” على “تنحية” المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، يكثر الحديث في الأوساط السياسية عن أفكار للحلّ، تقوم بمجملها على مقايضات، وفق منطق “التسويات” الرائج لبنانيًا.

 
وإذا كانت أول “مقايضة” أثيرت إعلاميًا كانت بين تحقيقي انفجار مرفأ بيروت وأحداث الطيونة، فإنّ المقايضة الأخيرة رفعت السقف، لتضع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار “وجهًا لوجه” وزير الإعلام جورج قرداحي، بمعنى أنّ استقالة قرداحي، التي يطالب بها رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، بوصفها مَدخلاً يمكن الولوج من خلال لفتح أبواب الحوار مع السعوديّين، يجب أن تسبقها “تنحية” المحقّق العدليّ.
 
بهذا المعنى، تصبح مثل هذه الاستقالة مُتاحة وواردة، حتى لو أتت من دون “ضمانات” يتمسّك بها الفريق الداعم لوزير الإعلام، والرافض لما يعتبره “ابتزازًا” للبنان واللبنانيين من خلاله، إلا أنّ طريقها لا تبدو “معبَّدة”، لأنّ هذه المقايضة تبدو “مرفوضة” في الشكل والمضمون، وهو ما يؤكد عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يشدّد على “الفصل” بين المسارين الحكومي والقضائي، مهما زادت الضغوط وكبرت التحديات.
 
أزمة جوهرية
 
صحيح أنّ ثمّة قاعدة تقول إنّ الوقت كفيل بالتخفيف من وقع الأزمات، وتليين المواقف بشأنها بشكل أو بآخر، إلا أنّ الواقع يؤكد أنّ المواقف إزاء الأزمة الحكومية لا تزال على حالها، بل قد لا يكون مُبالَغًا به القول إنّها تشهد المزيد من “التصلّب” مع الوقت، رغم أنّ الظروف المحيطة تفترض من الجميع التوافق على وضع حدّ لدوامة “التعطيل” التي بات واضحًا أنّها تضرّ الجميع ولا تنفع أحدًا، سوى ربما “شعبويًا” قبل موسم الانتخابات.
 
هكذا، يبدو مثلاً أن موقف “حزب الله” لا يزال على حاله لجهة المطالبة بـ”قبع” القاضي البيطار أولاً، وقبل البحث بأيّ شيء آخر، علمًا أنّ الحزب يرفض وفق التسريبات، انعقاد مجلس الوزراء لبحث بنود طارئة واستثنائية، بحجم الأزمة مع الخليج، إذا لم يُصَر قبل ذلك إلى البتّ بمصير المحقّق العدلي، وهو يُظهِر تصميمًا وإصرارًا لافتَين على هذا الموضوع، ولا يبدي أيّ “ليونة” ولو بصورة نسبيّة، كما يفعل مثلاً في موضوع الأزمة مع الخليج.
 
في المقابل، لا يزال سائر الفرقاء، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، كما “التيار الوطني الحر”، على موقفهم “المبدئيّ” الرافض لتوريط الحكومة بما لا شأن لها به أساسًا، وزجّها بشؤون قضائية من شأنها ضرب مبدأ “فصل السلطات” المنصوص عليه في الدستور اللبناني، والذي من شأنه تشكيل “سابقة” لا يستخفّ بهيبة المؤسسة القضائية فحسب، بل يفتح أبواب “جهنّم” على الحكومة التي تنشد المساعدات، لا العقوبات، من المجتمع الدولي.
 
هل من حلول في الأفق؟
 
انطلاقًا ممّا سبق، يقول البعض إنّ الأزمة تراوح مكانها، بل إنّها تتعقّد أكثر، وفق ما يرى كثيرون، خصوصًا بعدما أصبحت قضيتا التحقيق بانفجار مرفأ بيروت والقطيعة الدبلوماسية مع الخليج “متلازمتين” بالمفهوم الحكوميّ، علمًا أن هناك من يجزم أنّ الحكومة لن تعقد أساسًا أيّ اجتماع يحضره وزير الإعلام، إذا ما بقيت الأوضاع على حالها، حتى لو افترضنا أنّ قضية القاضي البيطار حُلّت، ووافق “الثنائي” على انعقاد جلسات مجلس الوزراء.
 
في هذا السياق، يشير بعض المتابعين إلى أفكار للحلّ قيد التداول، من بينها “إحياء” الفكرة التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري سابقًا، حول تحويل النواب والوزراء المتهمين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهي فكرة قيل إنّها حصدت تأييدًا من رئيس الحكومة، ولم يمانعها رئيس الجمهورية، بعد “وساطة” قادها البطريرك الماروني بشارة الراعي، لكنّها لم تسلك طريقها للترجمة لأسباب واعتبارات شتّى.
 
لكن، أبعد من هذا الخيار، الذي يصطدم حتى إشعار آخر بالعديد من المطبّات، يؤكد العارفون أنّ الأفكار المطروحة حتى الآن لا ترقى إلى المستوى المطلوب، خصوصًا أنّ كلّ “المقايضات” التي يُحكى عنها إعلاميًا “ساقطة”، فـ”حزب الله” يرفض “تسوية” على حساب شهداء “كمين الطيونة”، وفق توصيفه، لأنّها لن تكون في صالحه شعبيًا، وخصومه لن يقبلوا بمقايضة بين قرداحي والبيطار، طالما أنها قائمة على “مخالفة” المبادئ والثوابت.
 
لا مقايضة ولا من يحزنون. هي المعادلة التي يؤكد عليها رئيس رئيس مجلس الوزراء في مقاربة أزمة حكومته، التي ضُرِبت من الداخل قبل أن تتمّ شهرها الأول. الحلّ لا يمكن أن يكون بمخالفة القوانين والمبادئ، ولا بالرضوخ لمنطق التعطيل، ولكن بكل بساطة، بنزول الجميع من فوق الشجرة، وتغليب الحسّ الوطني على ما عداه، فالشعب لم يعد يحتمل المزيد من “التصلّب”، فيما يئنّ من الجوع والفقر والبطالة، ويكاد يفقد “الأمل الأخير” الذي استبشر به عند ولادة الحكومة!