فيروس كورونا الذي انحسر في الأشهر القليلة الماضية في لبنان، وانخفضت معه نسبة الإصابات إلى العشرات، عاد ليسجّل ارتفاعًا دراماتيكيّا في عدّاد الإصابات وفي حالات الوفيات. بالأمس تجاوزت نسبة الإصابات الألف إصابة، وبلغت نسبة الفحوصات الإيجابيّة 8.9%، ونسبة الوفيات عشرة. جدول البيانات وترصد عدوى الكوفيد 19 يظهر أنّ الفيروس عاود نشاطه في الأسبوعين الأخيرين بشكل لافت.
الخطورة لا تكمن فقط في حركة الفيروس المتصاعدة، بل بحال القطاع الإستشفائي المتهالك وارتفاع أسعار الأدوية، الأمر الذي يجعل المواجهة أصعب من العام الماضي.الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية وعضو اللجنة العلمية في وزارة الصحة لمتابعة كورونا البروفسور جاك مخباط كشف في حديث لـ “لبنان 24″ أنّنا على مشارف موجة جديدة من تفشي كورونا في لبنان. الأسباب وفق مقاربته متعددة، أبرزها، عدم إكثرات الناس بإرشادات الوقاية، عدم ارتداء الكمامة والإختلاط في الأماكن العامة، كذلك الحال في مراكز العمل، بحيث لم يعد الموظّفون يبالون بالكمامة، وعاد الناس يصافحون بعضهم البعض بالأيادي والتقبيل.
أمّا الحالات الوافدة من الخارج فلم تعد سببًا أساسيّا في ارتفاع عدّاد الإصابات، كما كان الحال في السابق ” بحيث تُظهر الأرقام نسبة إصابات قليلة من الوافدين، لكن الخطورة تكمن أنّنا قادمون على موسم أعياد، بحيث ستزيد نسبة الوافدين من الخارج، وسترتفع الإصابات، خصوصًا بظل التجمعات في الأعياد وكذلك السهرات سواء داخل المنازل أو في المطاعم”.
هل هناك طفرة جديدة من الفيروس؟يؤكد البروفسور مخباط أنّنا أمام موجة جديدة بالفعل “أكثرية الفيروسات التي تظهر في لبنان هي من فئة Delta like، هذا المتحوّر مشابه لدلتا، وهو النوع نفسه الموجود في أوروبا. صحيح أنّه ليس أقل تجاوبًا مع المناعة واللقاحات، ولكن نسبة الملقّحين في لبنان لا زالت ضعيفة، فهناك فقط 32.3% أخذوا الجرعتين و37% أخذوا الجرعة الأولى، ونسبة الذين أخذوا الجرعة الثالثة لا زالت خجولة”.الناس أضحت فلاسفة في علم الفيروسات!بظل الواقع الصحي الصعب في البلد، ومعاودة كورونا لنشاطه، يستغرب البروفسور مخباط لا مبالاة الناس وعدم رغبتها بأخذ اللقاح، ويتساءل مما تخاف الناس ” ولماذا فجأة أضحينا جميعنا نفهم في الطب، وجمعينا نفهم في اللقاحات والمناعة، لا بل أصبحنا كلنا فلاسفة في علم الفيروسات. فهل سأل هؤلاء مرّة عن لقاح الإنفلونزا السنوي كيف يصنّع ويركّب؟”مخباط دعا الناس إلى التعقّل والإقبال على أخذ اللقاحات، وعدم التأثر بالإشاعات، كما وجّه دعوة إلى المؤسسات الإعلامية أن لا تكون صدى للإعلام الخاطىء والسلبي الذي يستضيف مروجي الشائعات. وتوجّه إلى الخائف من اللقاحات بالقول “هل سألت نفسك عن الخطر المحدق بك وأنت سائق لسيارتك من بيروت إلى جونيه مثلًا؟ هناك خطر من إحتمال إصابتك في حادث سير بنسبة 1/1000 (واحد بالألف) في حين أنّ احتمال الخطر الناجم عن لقاح كورونا يبلغ 1/1000000 (واحد بالمليون) بالتالي هناك نسبة 999000 يؤمّنها اللقاح كحماية ومناعة”.نسبة الفحوصات الإيجابيّة بلغت في الساعات الماضية 8.9%، “هي بالأكيد نسبة مرتفعة “يقول مخباط. عن ارتفاع عدد الإصابات في صفوف طلاب المدارس والجامعات يلفت إلى أنّ الخطورة تكمن بنقل هؤلاء العدوى إلى منازلهم، ولكن لا قرار بالعودة إلى التعليم عن بعد بعدما أثبت فشله،مشدّدًا على وجوب إعادة تفعيل إرشادات الوقاية في المدارس وتعزيز حملات التوعية بظل التراخي الحاصل، وكشف عن إمكانية تلقيح الأطفال ما دون الـ 12 عامًا.نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون يجزم أنّ المستشفيات لن تكون قادرة على مواجهة موجدة جديدة من كورونا، غالبية المستشفيات الخاصة أقفلت أقسام كورونا، وهناك هجرة متواصلة في الكادر الطبي والتمريضي، هذا فًضلا عن الكلفة الباهضة للاستشفاء بظل رفع الدعم عن المستلزمات الطبية والأدوية وارتفاع أسعار المحروقات. حال المستشفيات الحكومية ليس أفضل. أمّا الحالات التي لا تستدعي دخول مستشفى، فقسم كبير منها لن يكون قادرًا على تأمين أدويته بسبب ارتفاع أسعارها بشكل كبير، لذلك كلّه لا بدّ من أخذ اللقاح والعودة إلى الإجراءات الوقائية، لاسيّما ارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي.