يحرص رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على إعطاء مساحة واسعة من إهتماماته للشأن الخارجي، إنطلاقا من قناعة بأن الجزء الأكبر من المأزق اللبناني مرتبط بتطورات تجري خارج الحدود، ما يجعل الانتقادات التي تساق في هذا الاطار تعبر عن عدم إدراك لحقيقة الأمور التي تحتاج الى بذل كثير من الجهود لكي يتمكن لبنان من تخطي الأزمات وتفادي المزيد من الانحدار، وصولا الى الانتظام السياسي العام الذي تبدأ معه مسيرة وقف الانهيار.
لذلك، فإن ميقاتي يعمل جاهدا على حلحلة بعض العقد الخارجية من غلاسكو حيث إلتقى صناع القرار في العالم على المستويين السياسي والاقتصادي الى الفاتيكان التي شكلت زيارتها واللقاء مع قداسة البابا فرنسيس وسائر المسؤولين فيها خطوة متقدمة أظهرت الاهتمام الكبير الذي يوليه الكرسي الرسولي للبنان، وإصراره على معالجة أزماته والحفاظ على أمنه وإستقراره السياسي والاجتماعي. لا شك في أن الفاتيكان تشكل بوابة كبرى يمكن العبور منها الى إستدراج المزيد من الدعم الدولي وإستنهاض الجهات والمؤسسات المانحة لمصلحة لبنان، وبالرغم من أنها سلطة روحية أكثر مما هي سياسية، لكن لا يستطيع أحد أن ينكر تأثيرها ومونتها على كثير من مواقع القرار في العالم وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية التي يتبع رئيسها جو بايدن الى الكنيسة الكاثوليكية ما يجعل الكرسي الرسولي قادرا على دفعه نحو مساعدة لبنان من خلال إيجاد تسويات في المنطقة من المفترض أن يكون لها تأثيرا إيجابيا عليه.
قد لا تظهر نتائج زيارة ميقاتي الى الفاتيكان بشكل فوري، لكن المعلومات المتوفرة حول اللقاءات الايجابية التي عقدها مع كل من إلتقاهم هناك تؤكد أن لبنان يحظى بعاطفة كبيرة من الكرسي الرسولي، توجها البابا فرنسيس أولا بالثناء على الرئيس ميقاتي لجرأته في تحمل المسؤوليات في هذه الظروف الصعبة بالرغم من خطورتها، وثانيا بالتأكيد على ضرورة إخراج اللبنانيين من أزماتهم وتأمين الاستقرار الكامل لوطنهم، وثالثا بالوعود التي أطلقها بالعمل على كل ما من شأنه أن يصب في مصلحة لبنان، ورابعا بالتغريدة التي كتبها البابا فرنسيس والتي أكدت بأن الحضور اللبناني لم ينته بانتهاء اللقاء مع رئيس الحكومة، بل هو مستمر وربما يتحول الى همّ يومي لدى الحبر الأعظم الذي تشير كل التقارير بأن لبنان يبقى حاضرا في كل لقاءاته. في المقابل وعلى صعيد الداخل اللبناني، تتراكم الأزمات التي بات معلوما أن بعضها مصطنع، وبعضها الآخر يأتي في سياق الأحداث، لكن من الواضح أن هناك من يعمل بكل ما لديه من إمكانات لاستهداف حكومة ميقاتي من باب التلاعب بسعر صرف الدولار الأميركي بشكل هستيري حيث إنخفض مساء أمس ومن دون أي مبرر نحو ألف ليرة بعدما تخطى الـ 25 ألفا، ما يؤكد بحسب مطلعين أن هذا التلاعب سيتوقف عاجلا أم آجلا، خصوصا إذا ما لاح في الأفق موعدا لاجتماع مجلس مجلس الوزراء، فضلا وبحسب هؤلاء أن كل الحديث عن إرتفاع إضافي لسعر الدولار غير واقعي وهو الأمر الذي أكده مصرف لبنان في بيان له أمس.من يقرأ المشهد السياسي اللبناني يرى أن رئيس الحكومة يتجاوز كل أشكال التعطيل، بحراك وزاري مؤثر في مجالات عدة، لا سيما ما يتعلق بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وملف الكهرباء ومتابعة وصول الغاز الغاز المصري والتيار من الشبكة الأردنية، إضافة الى العمل على تنفيذ مشروع مساعدة العائلات الأكثر فقرا، والبطاقة التمويلية، وإعطاء المساعدات الاجتماعية مع رفع بدل النقل الى 64 ألفا لموظفي القطاع العام، وغير ذلك من الأمور المعيشية التي لا تحتاج الى إجتماعات الحكومة.تقول مصادر سياسية مواكبة: صحيح أن الأوضاع بالغة الصعوبة، لكن وجود الحكومة يشكل صمام أمان لعدم تفلت الأمور من عقالها إجتماعيا وإنسانيا وأمنيا، لذلك فإن ثمة علامات إستفهام كبيرة جدا حول كل من يطرح موضوع إستقالة الحكومة لا سيما في هذا التوقيت المشبوه!..