رفع الدعم الجزئي عن الدواء شكّل كارثة صحيّة بكل المقاييس، فقفزت اسعار أدوية الأمراض المزمنة كالضغط والسكري والكولسيترول، عشرة أضعاف وأكثر، ولم يعد بمقدور الغالبية العظمى من اللبنانيين تأمينها، بعدما تجاوزت علبة الدواء الحدّ الأدنى للأجور في الكثير من الأحيان. هذه الأدوية كانت شبه مفقودة من السوق في زمن الدعم، وما إن رفع الدعم حتّى بدأت تتوافر في الصيدليات الأصناف المختفية منذ أشهر ، لكن المواطن عاجز عن شرائها.
أزمة الدواء في لبنان ليست جديدة بل تعود إلى عقود مضت. هذا القطاع لم يكن يومًا سليمًا، بل كان ولا يزال محكومًا من قبل مافيا مزمنة، كرّست الإحتكار والحق الحصري بالإستيراد، وتاجرت بصحة اللبنانيين منذ نشوب الأزمة المالية، وليس أدّل على ذلك سوى سلسلة الفضائح التي توالت عن تجار ومستوردين ومهرّبين وصيادلة استغلوا دعم الأدوية من أموال الودائع، وعمدوا إلى تهريبها خارج الحدود إلى جانب حليب الأطفال بأسعار مضاعفة، مستغلّين أسعارها المدعومة والرخيصة جدا مقارنة بأسعار الأدوية في سوريا وغيرها من البلدان المجاورة، وذلك تحقيقًا لأرباح ومكاسب غير مشروعة.
في هذا التوقيت، برز اقتراح قانون سلامة الدواء، الذي قدّمه النواب فادي علامة ميشال موسى وعناية عزالدين، وبعد أن أٌشبع درسًا على مدى سنتين في لجان الإدارة والعدل والمال والموازنة والصحة، أُقرّ في اللجان قبل شهر ونصف الشهر ، وسلك طرقه إلى الهيئة العامة، بحيث يُفترض أن يتم وضعه على جدول أعمال أول جلسة تشريعية. هل يحلّ القانون أزمة الدواء؟
“أهمية القانون أنّه ينظّم كل ما له علاقة بقطاع الدواء والمستلزمات الطبية والمتمّمات الغذائية، ويضع حدّا لفوضى التسعير والإستيراد ودخول الأدوية إلى السوق اللبنانية بطريقة غير منظّمة. لو كان موجوداً ربما لما كنا شهدنا ما جرى ويجري في سوق الدواء حالياً” يقول النائب علامة لـ “لبنان 24”. يتحدث القانون عن إدارة القطاع من قبل هئية ناظمة، ولكن التسمية استبعدت نظرًا للحساسية التي تشكّلها لدى بعض الإفرقاء، واستبدلت بـ “الوكالة الوطنية للدواء”. تحدد الوكالة الأدوية التي يجب أن تدخل إلى السوق، كما تحدّد آلية تسعير الدواء وتحديد النوعية، وتمنح حوافز للصناعة الدوائية الوطنية، وتدرس آليات تمويل الإستيراد ما يؤمن شفافية كبيرة في عملية استيراد الدواء، كما هو معمول به في الولايات المتحدة الأميركية والأردن ومصر وفي معظم الدول. القانون حدّد معايير إختيار أعضاء الوكالة، وفق سيرهم الذاتية ومستوياتهم العلمية وإختصاصاتهم، بدل ترك الملف في عهدة مستشاري وزراء الصحة ومستوردي الأدوية.
إقرار القانون وإنشاء الوكالة الوطنية للدواء سيستغرق وقتًا، لذلك دعا النائب علامة الحكومة إلى تفعيل عمل المكتب الوطني للدواء، وتكليفه شراء الأدوية واستيرادها، وتزويد السوق المحلية حاجته منها “وذلك في إطار الإجراءات الممكنة والسريعة التي يمكن للحكومة اعتمادها للتخفيف من عبء الفاتورة الدوائية عن كاهل المريض، حيث يفرض القانون 549/1996 في مادته الأولى على الجهات الضامنة شراء الأدوية من المكتب الوطني، والتي حكمًا ستكون كلفة استيرادها وبيعها أقل في حال تمت من جهة رسمية لا تبغي الربح، وهذا ما ينعكس على الكلفة ويوفر على المواطن”.
يأتي قانون الدواء في قائمة القوانين الإصلاحية إلى جانب قانون الشراء العام، فهل تنتصر مافيا الدواء وتعيق إقراره كما انتصرت في مراحل سابقة؟ وهل سيتم تطبيقه في حال أُقراره؟ أم سينضم إلى عشرات القوانين التي أُقرّت منذ سنوات ولا زالت مراسيمها التطبيقية معطّلة؟