وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان كتابا مفتوحا إلى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “الذي أحترم جدا”. وجاء في الكتاب :
“مشكلة هذا البلد منذ نشأته تم تركيبه بطريقة عاجزة طالت الصيغة والنظام ومراكز السلطة ووظيفتها، ومنذ تاريخه الأول بقي يعاني من عقدة “القيد المكتوم”، وكأن هذا البلد بلا نسب أو فاقد الأبوين، ومع العام 1958 انكشف البلد عن عقلية تنسبه بالتبني لحلف بغداد مقابل الأمن العربي المنقسم على نفسه، فخسر الإثنين معا، ومنذ تلك الفترة صار البلد جمهوريات على طريقة “بدل ضائع” وانفجر البلد عام 1975 فقط لأنه عاجز بالصيغة والسلطة والنظام وطبيعة القرار السياسي الطائفي وأحيانا بسبب الإختلاف على العدو والذي تجلى عام 1982 بغزو تل أبيب لبيروت بشراكة فريق خاض حرب 1975 بخلفية مفهوم العدو والصديق، ومعه بدا لبنان بلا نسب أو سبب، وبعد ملحمة أسطورية استطاعت المقاومة بكل تشكيلاتها الوطنية هزيمة تل أبيب وقهر الجيش الذي لا يقهر لتتحول معها بيروت عاصمة تعطي شهادات بالنسب والوطنية واللاحياد” بعدما حولها الحياد عاصمة محتلة بسوق ذئاب وعلى عين الأمم المتحدة ومجلس الأمن وواشنطن والأشقاء العرب والمسلمين، لكن المشكلة يا غبطة البطريرك بالمشروع الأميركي المصر على تهويد المنطقة والذي يعتبر تل أبيب ومصالحها من صميم أمن واشنطن ومصالحها.
هنا المشكلة يا غبطة البطريرك وما يجري الآن من حصار وخنق ودولار وأسعار وفوضى وتجييش لحلف طويل عريض بقيادة واشنطن وظيفته دعم تل أبيب بلغة الإنحياز وليس الحياد والعين على لبنان.
لذلك قلنا لا حياد مع التهديد ولا حياد مع الإحتلال ببعد النظر عن التهديد “صهيوني أو تكفيري” أو موزاييك أميركي بأقنعة مختلفة كداعش والتكفير وبعض الأنظمة والجمعيات التي تتشرب كل يوم عقيدة التهويد على الطريقة الأميركية، لأن الأوطان بهذا الغاب تعيش بقوتها، وقانون الغاب يقول: لا قيمة للأسد من دون مخالب.
أما الدستور اللبناني والنظام وعقيدة الدولة نفسها يا غبطة البطريرك فتقوم على ضرورة حماية لبنان والدفاع عن مصالحه بوجه أي احتلال أو عدوان أو تهديد حتى لو كان بالمحيط الهندي، ونخشى ما نخشاه أن يتحوّل الخلاف على العدو والصديق إلى اختلاف على لبنان ومفهوم العدوان، ومهما يكن من أمر فإن مَن دعم التحرير وساهم بإنجازه ليس كمن دعم الإحتلال وساهم بتكريسه، ومن يخنق لبنان الآن ليس كمن ينجده، والمساواة بين هاتين الجهتين ظلم بدين المسيح ومحمد، وعدم الإنحياز بين الحق والباطل خطيئة بنص القرآن والإنجيل، والأخلاق السماوية والوطنية تقول: من قاتل لينتشل لبنان من الاحتلال ليس كمن قاتل دعما للإحتلال، ومن قدّم الأشلاء في معلولا والقاع ورميش ودبل وعلما وعين إبل وحاصبيا ومرجعيون وطورا ومعركة والزهراني وصيدا وصور وبنت جبيل وغيرها ليحمي لبنان من الإفتراس ليس كمن حيّد نفسه عام 1982 ثمّ عام 2006، ولولا الإنحياز لحوّلنا الحياد إلى ولاية خاضعة لأبي بكر البغدادي أو مستعمرة لتل أبيب.
كل ما في الأمر أن الحياد حين لا يحمي يجب أن ننحاز لحماية البلد، وما جرى في العام 1943 انحياز وطني كبير تم عبره إخراج الفرنسي وتحرير البلد، لذلك الحياد بتلك اللحظة كان بمثابة كارثة وطنية. ولولا انتفاضة 6 شباط بكل ما تعنيه من انحياز لكان الحياد سببا لتهويد البلد. ولولا 17 أيار ما كانت انتفاضة 6 شباط الوطنية، لأن الحياد وقتها كان بمثابة نحر وطن فيما الإنحياز كان بمثابة إنقاذ وطن. أخيرا: لغبطته أقول: حين عجز الحياد كان لا بد من الإنحياز ولا ثالث بينهما، وما دام الحياد عاجزا فإن الإنحياز ضرورة لأمن وأمان وسيادة واستقلال هذا الوطن الذي تتسابق إليه السكاكين من كل حدب وصوب. والمسلم والمسيحي أهل هذا البلد والعيش المشترك بيننا كالرأس من الجسد ولا بديل عن الدولة الجامعة سوى أن حماية لبنان تحتاج قوة أبنائه بوجه الأعاصير، وقد قدموا ما عليهم وما زالوا، فشكرا لانحيازهم الوطني لأنّ الحياد زمن الحرائق تضييع للبلد والشعب والمؤسسات”.