هل سيقلب ميقاتي الطاولة على رؤوس الجميع؟

1 ديسمبر 2021
هل سيقلب ميقاتي الطاولة على رؤوس الجميع؟

عندما قَبِل الرئيس نجيب ميقاتي تلقّف كرة النار لم يكن يفتّش عن لقب. فلقب “دولة” الرئيس لم يكن ليزيد على قامته الطويلة بعض السنتمترات، ولا على موقعه السياسي والشعبي رصيدًا جديدًا، وهو الذي حصد في إنتخابات العام 2018 أفضل النتائج في طرابلس والشمال. الألقاب بالنسبة إليه ليست سوى حافز لمزيد من الخدمة العامة.
كان يعرف أن المهمة التي إنتُدب لها ليست سهلة، وكان يعرف أن في إستطاعته إقناع من يجب إقناعهم بالمساهمة معه في تبريد كرة النار تمهيدًا لإخماد الحرائق التي تتسبّب بها. قال منذ اليوم الأول لتوليه هذه المهمة الصعبة، ولكن غير مستحيلة، أن يدًا واحدة لا تصفّق. فكانت حكومة “معًا للإنقاذ”.
ولكن، وبعد مرور شهر ونصف الشهر تقريبًا على تعطيل العمل الحكومي تمامًا كما عُطّلت البلاد في السابق وأُدخلت في الفراغ لسنتين ونصف السنة قبل أن يُنتخب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، لم يعد من الممكن الرهان على “حسن نوايا” البعض، وبالتالي لم يعد من الجائز السكوت طويلًا عن جرّ البلاد إلى حيث تصبح العودة حتى إلى نقطة الصفر مستحيلة.
لقد حاول كثيرًا، وتحمّل أكثر مما يمكن أن يتحمّله أي إنسان، وعضّ كثيرًا على الجرح. صبر صبرًا جميلًا. لم يترك وسيلة إلاّ ولجأ إليها علّ وعسى. دعا إلى الحوار الهادىء داخل الجدران الأربعة. قال إن مجلس الوزراء هوالمكان الوحيد لحّل المشاكل العالقة. حثّ الجميع على تحمّل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية.
ولكن، وبعد كل هذه المحاولات، تبّين أن ثمة من لا يريد أن تكون لهذا البلد قيامة قريبة. فلو كان ما نقوله غير صحيح لكانت الوقائع والأحداث قد كذّبتنا، ولكان الذين لا همّ لهم سوى النكد السياسي قد وضعوا أصابعهم العشرة في عيوننا وقالوا لنا إن الأعمى هو أعمى بببصره وبصيرته.
صحيح أن رئيس الحكومة مشهور بصبره، ولكن لهذا الصبر حدودًا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضايا وطنية تتجاوز الأشخاص. فـ “المسايرة” في هذه الحال تضرّ أكثر مما تفيد. ولا يجوز بالتالي السكوت عن الحق كي لا يُقال أن هذا الساكت هو شيطان أخرس.
فعندما تتجاوز التجاوزات حدودها الطبيعية يصبح الموقف الحاسم والحازم مطلوبًا أكثر من أي وقت مضى. ولكن وقبل الوصول إلى هذه المرحلة، التي لا يعود ينفع التعاطي معها سوى بـ”الكّي”، وليس بالمسكنات. فالدملة يجب أن تُفقى قبل أن يمتدّ “العمل” إلى كل أنحاء الجسم.
فهل وصلنا إلى مرحلة لم يعد مقبولًا إعطاء المزيد من الفرص، أم أننا قد بلغنا مرحلة كشف الأمور كما هي، وهل أصبح الرئيس ميقاتي على قناعة بأنه مع بعض الناس “فالج لا تعالج”، وهل اصبح على قاب قوسين أو أدنى من أن “يبقّ البحصة”، ويقلب الطاولة على رؤوس الجميع.
في إعتقادنا من دون أن يكون هذا الإعتقاد مبينيًا على معلومات أكيدة أنه لا تزال هناك فرصة سانحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد يكون للرئيس نبيه بري الدور الرئيسي للفصل ما بين الخيطين الأسود والأبيض.