على ذمّة الرواة، يُحكى أن لبنان رَفَدَ طلاب وطالبي العلم في بلاد الرافدين ب ٢٧ ألف شهادة عليا (ماجستير ودكتوراه) في عام واحد فقط.
هكذا بدأت الضجة الإعلامية التي أثيرت حول تزوير شهادات لطلاب عراقيين، بينهم نواب وقضاة وإداريون في الجمهورية العراقية مسجّلون في جامعات لبنانية قيل إن عددها ثلاث، وربما هناك جامعات أخرى قد تكون متورطة في ما بات يُعرف “بفضيحة الشهادات اللبنانية المزوّرة للطلاب العراقيين” ، ما شكّل فتح واحدٍ من أبواب الفساد المستشري الذي يعاني منه البلدان الصديقان على مصراعيه.
في الواقع، فان الرقم المشار اليه آنفاً بدا غير طبيعي وغير سليم، أقله من الناحية الأكاديمية، قياساً لتخطيه عدد المقاعد المتعارف عليها في صفوف الشهادات العليا في الجامعات، علماً أن إيران لا لبنان هي التي تتصدّر قائمة الدول الأكثر إستقبالاً للطلاب العراقيين الذين يصل عددهم الى ٢٠ ألف طالب سنوياً يدرسون في جامعاتها، تليها تركيا مع ١٥ ألف طالب عراقي، ليحلّ لبنان في المرتبة الثالثة من القائمة مع ١٣ ألف طالب عراقي متقدّماً على مصر ثم الأردن.
تضخم عدد الشهادات المصدّرة من لبنان الى العراق أدى الى “ارتياب تربوي مشروع” لدى السلطات العراقية، ما دفع بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في بغداد الى سحب الملحق الثقافي من السفارة العراقية في بيروت هاشم الشمّري وإحالته على التحقيق، كما علّقت دراسة الطلاب العراقيين في ثلاث جامعات في لبنان نتحفّظ عن ذكرها، “لعدم إلتزامها بمعايير الرصانة العلمية” كما ورد في بيان الوزارة العراقية، مستثنية الطلاب العراقيين المسجلين في الجامعة اللبنانية.
ما جرى يمكن تصنيفه في خانة “جرم جنائي” يجوز لا بل يجب ملاحقة مرتكبيه أمام القضاء وهم ثلاثة: الطالب والجامعة والسمسار أو الوسيط الذين أقدموا على تزوير الشهادات الجامعية، مقابل عمولة سمسرة بآلاف الدولارات بلغت خمسة آلاف دولار عن شهادة الماجستير وعشرة آلاف عن شهادة الدكتوراه، لأن هؤلاء مجتمعين ضربوا عُرض الحائط بسمعة الجامعات اللبنانية وشهاداتها العريقة، من أجل هدف وحيد هو الحصول على “حرف الدال” قبل اسم الطالب المزوِّر.
وإذا كانت الملاحقة القضائية قد بدأت عملياً في بغداد من خلال فتح تحقيقات حول الملف، فإن الانظار متجهة الى تحرك الجانب اللبناني، ممثلاً بوزارة التربية والتعليم العالي خصوصا وان فعل التزوير ، في حال ثبوته، سيرتب ضررا كبيرا على لبنان قبل العراق . فهل سيتحرك القضاء اللبناني الواقع في “دوّيخة” ردّ الدعاوى و كف اليد ونقل الطلبات من والى القضاة من دون أن نغفل ذكر مداعاة أو مخاصمة الدولة على إيقاع الأغنية الشعبية التي يقول مطلعها “بيني وبينك خصومة…” ؟!