لماذا لا يريدون أن تنجح “حكومة معًا للإنقاذ”؟

3 ديسمبر 2021

عندما نلجأ إلى تجهيل الجهة التي تعرقل عمل الحكومة، أو بالأحرى لا تريد لها أن تنجح في إنتشال البلاد من الغرق، نكون كمن يفتّش عن قرص الشمس في عزّ الظهيرة. فالمقصود بالتجهيل تحميل جميع الأطراف السياسية من دون إستثناء مسؤولية التعطيل والحؤول دون تحقيق أي تقدّم في أي مجال إصلاحي، وحتى في كل المجالات، التي يعترف الجميع بأن الأمور وصلت إلى مرحلة الإرتطام الكبير والمدّوي، والذي سيكون له نتائج ومضاعفات خطيرة جدًّا على مستقبل الوطن وناسه. 

فلبنان يعيش اليوم أزمة متعددة الإتجاهات والأبعاد:
 -البعد الأول له علاقة بأزمة السلطة والصراع على القرار في ظل غياب القدرة على الحسم وتعدد مصادر القرار، اللذين يؤديان إلى تعطيل الحكم والحكومة، وهذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم بكل تداعياته السلبية، والتي لها علاقة بمسار كان يجب أن يُترك في إطاره الطبيعي، وأن تُبعد عنه التجاذبات السياسية، وألا يُحشر مجلس الوزراء في أمور لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد. 
 -البعد الثاني مرتبط بأزمة النظام، وهو أخطر من البعد الأول لأنه مرتبط بأسس النظام والخلافات العميقة والأزمات المتلاحقة في ظل الخوف على ّ لبنان ومستقبله وحول الجوانب الدستورية والقانونية، وهذه الخلافات هي التي تحتمّ على اللبنانيين  التفكير مليًا قبل الإنتخابات النيابية في محاولة منهم لإعادة تكوين السلطة على اسس جديدة، ولو بنسب متواضعة كخطوة أولى لا بدّ منها.  
 -البعد الثالث ناتج عن الأزمات الإقتصادية والماليّة والإجتماعية والمعيشية، التي لها أسباب آنية وعميقة، وأدت إلى فشل النظام المالي والمصرفي. وهناك خوف كبير من تدافع تدهور الأوضاع، الذي قد يفتح الباب أمام مخاوف أمنية ومجتمعية خطيرة في المرحلة المقبلة، ولا سيما في ظل معاناة المؤسسات العسكرية والأمنية من جراء هذه الأزمات، وهذا ما يتخّوف منه جميع الذين يتعاطون بالأمور الأمنية، إستنادًا إلى التقارير التي تتحدّث عن إمكانية إستغلال بعض الخلايا النائمة الوضع المعيشي في محاولة لزعزعة الإستقرار وإدخال لبنان في المحظور.  
 -أما البعد الرابع، الذي تطّور بشكل كبير أخيرًا، فيتصل بعلاقات لبنان العربية. وقد شهدنا في الآونة الأخيرة فصلًا جديدًا من فصوله القاتلة بسبب مواقف الوزير جورج قرداحي وتداعياتها ودور “حزب الله” في العالم العربي، وإن كان البعض لا يزال يراهن على دور معيّن للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في زيارته للسعودية. 
في ضوء هذا المربّع من الأزمات القاتلة، يمكن إعتبار أ ّن الجهود العربية والإقليمية والدولية منصبة اليوم على منع الإنهيار الكامل، وتقديم كل ما يمكن من مساعدات ودعم، ولا سيما للمؤسسات العسكرية والأمنية وعلى الصعيد الإنساني، كي لا نشهد الإنفجار الكبير في لبنان الذي قد يطال بشظاياه لبنان كله وكل محيطه العربي والإقليمي. 
 وعلى رغم الجهود الديبلوماسية العربية والدولية لإنقاذ لبنان من أزمته، فإنه لا يمكن الخروج من هذا المربع القاتل إلا بقرار لبناني داخلي وبتغيير السياسات القائمة اليوم داخليًا وخارجيًا، والإفراج عن الحكومة وتركها تعمل كما هو مفروض أن تعمل في ما تبقّى لها من وقت ضائع قبل أن تدخل البلاد في مرحلة الإستحقاق الإنتخابي، وقبل أن تصبح كلمتا “لو” و”ياريت” من مكونات ثقافتنا السياسية وأساسيات سلوكنا السياسي.