كتب رضا صوايا في الأخبار:
«لبنان من البلدان العربيّة التي تشهد انتقالاً ديموغرافياً سريعاً نحو الشيخوخة. وتظهر نتائج المسح الوطني للأحوال المعيشيّة للأسر لعام 2012 ارتفاعاً ملحوظاً في عدد كبار السنّ الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة، لتصل نسبتهم إلى 11.9% من مجموع السكّان المقيمين في لبنان، ويتوقّع أن تتجاوز 14% بحلول عام 2035»، بحسب دراسة «الأولويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة لكبار السن في لبنان: سبل العيش بكرامة» (2018) الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعيّة بالشراكة مع اللجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغربي آسيا (الإسكوا).
وإلى تدهور الظروف المعيشية وارتفاع كلفة الرعاية الصحية وسعر الأدوية، يزيد من الطلب على المآوي «رحيل الآلاف من العاملات الأجنبيات اللواتي كانت نسبة كبيرة منهن تهتم بالمسنين في المنازل» بحسب مالك مارون، المدير التنفيذي في دار الرعاية الماروني، مؤكّداً «أنني أتلقّى أكثر من 10 اتصالات يومياً، والمركز غير قادر على استقبال أي نزيل جديد». وتلفت مديرة إحدى دور العجزة إلى «أننا غير قادرين على قبول أي طلبات إضافية، لكي نحافظ قدر المستطاع على النوعية التي نقدمها للمسنين الذين نرعاهم. أساساً من بإمكانه أن يتحمل تكاليف المآوي؟ نطلب مليون ليرة شهرياً، لكن أحداً غير قادر على دفعها».
5 ملايين ليرة كلفة العناية بالمسنّ شهرياً تدفع منها وزارة الشؤون 525 ألف ليرةالكلفة التي تتكبّدها المآوي ارتفعت بشكل هائل فيما المداخيل «شبه معدومة». إذ يلفت مارون إلى أن «كلفة العناية الشهرية بالمسنّ الواحد ارتفعت إلى حوالى 5 ملايين ليرة، من دون الأخذ في الاعتبار كلفة المستشفى في حال اضطررنا إلى إدخاله إليها، في حين أن ما يفترض أن يصلنا من وزارة الشؤون الاجتماعيّة عن المسنّ لا يتعدى 525 ألف ليرة شهرياً. إذ تدفع الوزارة 17 ألفاً و500 ليرة فقط بدلاً يومياً للمسنّ، علماً أن وزارة الشؤون لم تدفع لنا أي مستحقات منذ عامين». والأمر نفسه ينطبق على وزارة الصحة، «التي تدفع 26350 ليرة كبدل يومي عن المسنّ، ارتفع إلى 52 ألف ليرة مع بداية الشهر الماضي، ولا نتقاضى المستحقّات إلا كل عامين. هذه المبالغ لم تكن تكفينا لرعاية المسنين على أيام الـ 1500، فكيف اليوم؟ مع العلم أن عقد الرعاية يكون إما مع وزارة الصحة أو مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا يمكن للمسن الاستفادة من عقدَي رعاية في الوقت نفسه».غياب وزارة الصحة ينسحب على الاستشفاء «الذي يعد مصدر الخوف الأكبر. لا يوجد أي شيء اسمه تغطية 100%. في حال كان للمسن أقارب يسألون عنه وقادرون على دفع فرق الاستشفاء، وفي حال العكس نتحمل نحن الكلفة»، يقول مارون.
في ظل هذا الواقع، تكافح المآوي للحفاظ على الحد الأدنى من الرعاية اللائقة للمسنين، مع اللجوء إلى كثير من الإجراءات الصعبة. بحسب مديرة المأوى في الشمال، «كنا نحفّض المسن 5 مرات يومياً، أما الآن فنحفّضه 3 أو 4 مرات. سعر الحفاض الواحد 10 آلاف ليرة. حتى استخدام الشوفاج للتدفئة بات خاضعاً للتقنين كلما استطعنا أو وجدنا أن الطقس دافئ». وتُشير بو عون إلى أن «المسنين كانوا يفطرون يومياً لبنة وجبنة. اليوم نركّز على الزعتر أكثر. أما اللحومات فاستخدامها في الطبخ أصبح وقفاً على المساعدات التي نتلقّاها وقيام بعض الأشخاص بتوفيرها لنا. الأولوية للدواء». وبدوره، يُشير مارون إلى «أننا لا زلنا نوفر اللحوم. لكن خفّفنا من استهلاك السمك».