من يراجع مواقف وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي، منذ اليوم الأول لأزمة لبنان مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي حتى وهو يقدّم إستقالته، يدرك مدى حجم المشكلة بين عدد من المكونات اللبنانية ومحيطنا العربي.
فإذا لم تتزامن هذه الإستقالة بخطوات موازية فستبقى من دون نتيجة تُذكر. وهذا ما يُعمل عليه في الوقت الراهن على أكثر من خطّ، سواء في الداخل أو في الخارج.
ففي الداخل يتحرّك المعنيون على خطّ الإتصالات التي لم تتوقّف لتأمين عودة آمنة لجلسات مجلس الوزراء من خلال بعض الخطوات، التي سترى النور من خلال ما يتمّ العمل عليه عبر مجلس النواب، الذي يبدو أنه سيمسك من جديد بملف التحقيق في إنفجار المرفأ، عبر تفعيل عمل الهيئة الوطنية لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وذلك من خلال ضمان مشاركة كتلة “لبنان القوي” في الجلسة العامة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري يوم الثلثاء المقبل، مع إصرار الجميع على تحييد القضاء عن التدخلات السياسية، وعدم إعتبار ما قد يحصل سابقة قد تفتح “شهية” من لا يعجبه أي قرار قضائي آخر للإعتراض عليه و”تطيير” جلسات مجلس الوزراء وتعطيل العمل الحكومي، كما حصل في جلسة الثالث عشر من شهر تشرين الأول الماضي، حيث إعترض وزير الثقافة يومها بإسم “الثنائي الشيعي”على أداء القاضي البيطار.
الأجواء التي ترافق الإتصالات الحثيثة لنزع فتيل الإنفجار من الداخل توحي بحلحلة قريبة وسريعة على صعيد إيجاد حلّ مشرّف ومقبول من الجميع لملف التحقيق في جريمة المرفأ، من دون أن يعني ذلك الإنتقاص من هيبة اقضاء والقضاة، ولكن الحكمة في التعاطي مع الأمور المعقدّة تفرض نمطًا مغايرًا لما يُروَج له شعبويًا، من دون إغفال حق أهالي الضحايا بمعرفة الحقيقة كاملة من دون زيادة أو نقصان.
أمّا على خط الإتصالات الخارجية، التي ستواكب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدول الخليج العربي، وبالأخصّ للملكة العربية السعودية، فإن ثمة إتجاهًا لتفعيلها وتنشيطها وفق منهجية واضحة المعالم والأهداف، تتزامن مع تبريد الجبهة الداخلية وضمان عدم التعرضّ والإساءة إلى أي دولة عربية شقيقة من أي جهة لبنانية، الأمر الذي سيسمح بإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، والتي ستكون هذه المرّة مبنية على أسس واضحة وشفافة وغير قابلة للتأويل أو التحريف أو الإجتهاد.
الرئيس ماكرون، الذي تمنّى على المسؤولين اللبنانيين أن “يمونوا” على الوزير قرداحي لتقديم إستقالته، يضمن سلفًا تجاوب الرياض مع مساعيه الهادفة إلى ترطيب الأجواء بين المملكة ولبنان.
فلو لم يكن واثقًا من خطوته هذه لما كان طلب ما طلبه، ولما كان من يقف وراء مواقف الوزير قرداحي قد تجاوب مع الرغبة الفرنسية. وهذا ما يمكن إدراجه في خانة الإيجابيات، التي راهن عليها، ولا يزال، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي أصرّ على السير عكس التيار، بمعنى أنه بقي متمسكًا برهانه على وعي القيادات اللبنانية وتقديرها لما يتعرّض له لبنان من ضغوطات خطيرة على أكثر من مستوىً.
وعلى رغم المشاكل الكثيرة التي يواجهها اللبنانيون في يومياتهم فإن ثمة مراهنات على إمكانية الخروج من عمق الهوة والوصول إلى برّ الأمان بأقل اضرار ممكنة، وهذا ما يفرض على الجميع ربط أحزمة الأمان والتمسّك بما تبقّى لديهم من بصيص أمل علّ وعسى.