“حتى الرابعة لم تكن ثابتة”، هكذا يعلّق مصدر حقوقي، في إشارة الى أربع محاولات لإقرار قانون العفو العام في المجلس النيابي كان آخرها في تشرين الأول من العام الفائت، حيث أُدرج الإقتراح بنداً ثانياً على جدول أعمال الجلسة التشريعية وقتذاك لدراسته، لكنه سقط “بضربة طائفية” سدّدتها الكتل البرلمانية ،كلّ وفق مصالحها، لعدم التوصّل الى صيغة توافقية بخصوصه.
بازار العفو العام يتكرّر في العادة مع إنطلاق مواسم الإنتخابات النيابية في لبنان متخذاً أحياناً طابع الرشوة التي يمرّرها أهل السياسة لأهل السجناء من محكومين وموقوفين، مغدقين عليهم الوعود المجانية التي تتطاير في الهواء مباشرة بعد إقفال صناديق الإقتراع وفرز الأصوات وإعلان النتائج.
المصدر الحقوقي يعتبر، أنه مع إستبعاد إقرار هذا القانون الذي يطالب به البعض بذريعة التخفيف من الإكتظاظ في السجون ومراكز التوقيف والنظارات والسجون العسكرية، هناك من دون شك أساليب وإجراءات أكثر عدالة تساعد على تخفيف الإكتظاظ مثل خفض السنة السجنيّة ،ولو لمرة واحدة، من تسعة الى ستة أسهر، على ما وعد بدراسته وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي أثناء زيارته الأخيرة لسجن رومية نهاية الأسبوع الماضي لتفقد أوضاع السجناء والعسكريين، ليغرّد بعد الزيارة كاتباً: العفو العام يتيح إطلاق سراح أكثر من نصف السجناء”، مؤكداً أن “الإجتماعات جارية مع رئيس الحكومة الذي يعمل على تأمين الظروف السياسية المؤاتية”.
الإسراع بالمحاكمات هو إجراء ناجع، بحسب المصدر عينه، خصوصاً أن جائحة الكورونا فرضت آلية التحقيقات والمحاكمات “عن بعد”، بَعد أن تحوّلت السجون الى مصيدة لهذا الوباء، إضافة الى إجراء قانوني يمكن اللجوء اليه وهو تخلية سبيل موقوفين قيد التحقيق، مشيراً الى أن التوقيف بات الخيار الأسهل لدى بعض القضاة المدنيين والعسكريين، من دون أن نفغل ما يُعرف بالعقوبة البديلة من خلال تفعيل القانون المتصل بها.
المصدر الحقوقي يجزم أن لإقرار قانون العفو “حسنات وسيئات” اذا صح التعبير، ولعل أخطر مساوئها هي المساواة بين السجناء، فلا فرق بين إرهابي قتل عناصر من الجيش أو أشخاصا مدنيين، وبين تاجر مخدرات أو مروّج عملة زائفة أو متعامل مع إسرائيل، مع الإشارة الى أن إقرار القانون يعني حكماً إسقاط دعوى الحق العام وما يتبعها من ملاحقات وبلاغات بحث وتحرٍ، الصادرة ليس فقط بحق السجناء إنما أيضاً ضد الفارين من وجه العدالة.
في المصطلحات القانونية، العفو العام هو إزالة الصفة الجرمية عن فعل يمثّل جريمة يعاقب عليها القانون، فيصبح المرتكب وكأنه لم يُجرَّم أصلاً، فهل المطلوب تطبيق عفو عام صريح على طريقة ” عفا الله عما مضى” أم عفو مقنّع من خلال تخفيض العقوبات تزامناً مع إنطلاق بازار الوعود الإنتخابية و”جائحة المقايضات” الرائجة هذه الأيام؟