مما لا شكّ فيه أن المبادرة الفرنسية مع المملكة العربية السعودية تجاه لبنان قد نجحت في إحراز تقدّم نوعي بالنسبة إلى إعادة وضع العلاقات اللبنانية – السعودية على خطّها الصحيح، من خلال تأمين التواصل بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
فهذا التواصل الأولي مهمّ في مغزاه ونتائجه، خصوصًا إذا عرف لبنان الإفادة من تثمير هذا الإنجاز، لأن هذا الإتصال، على أهميته، غير كاف لوحده، بل يحتاج الى متابعة وعناية ومقاربة لبنانية جديدة للعلاقة مع السعودية. فهذا التطور من شأنه أن يوقف تدهور العلاقات، وأن يؤدي الى بداية إنفراج في العلاقات الثنائية، عبر خطوات أولية منها عودة السفير السعودي وليد البخاري الى بيروت واستئناف العلاقات الديبلوماسية، وربما عبر زيارة قريبة خاصة للرئيس ميقاتي لسعودية لإداء “فريضة العمرة”، وهي ستكون كافية إعادة فتح أبواب السعودية أمام لبنان.
من المؤكد أن إنفراجا ما سيحصل، وأن السعودية لن تبقي أبوابها موصدة مع لبنان، وهذا ما يُعمل عليه عبر الديبلوماسية “الهادئة”، وعبر الخطوات الإجرائية، التي باشر بها الرئيس ميقاتي عبر سلسلة من اللقاءات والإتصالات بهدف وضع حدّ لعمليات تهريب المخدرات إلى المملكة ودول الخليج عبر لبنان.
وعلى رغم كل ذلك فإن السعودية لن تنخرط، كما هو واضح، في خطوات دعم كبير للبنان وضخ أموال أو تقديم هبات كما كان يجري في المراحل السابقة، لأن السعوديين يعتبرون أن تقديم أي مساعدة سعودية مشروطة بالتزامات وخطوات من جانب لبنان، وحيث تبدو الشروط السعودية صعبة. وهذه الشروط حدد إطارها العام البيان الفرنسي ـ السعودي المشترك الذي صدر في ختام زيارة ماكرون وتضمن: -قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ إصلاحات شاملة بشكل خاص في قطاع المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود.
-الإلتزام بتنفيذ إتفاق الطائف.
-تعزيز دور الجيش اللبناني في المحافظة على أمن لبنان واستقرار.
-إقتصار السلاح بشكل صارم على مؤسسات الدولة الشرعية.
– الا يكون لبنان مصدرًا لأي عمل إرهابي يزعزع إستقرار المنطقة، أو في تصدير المخدرات.
-إحترام سيادة لبنان ووحدته وفقا لقرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680. هذه الشروط الفرنسية ـ السعودية المشتركة حددت إطار المقاربة للملف اللبناني وسقفًا عاليًا لما يجب أن تكون عليه سياسة الحكومة اللبنانية إذا أرادت الحصول على مساعدات مالية.
ومن الطبيعي أن هذه الشروط إستفزّت “حزب الله” وحلفاءه، الذين شعروا بالإستياء والقلق لسببين: الأول، لأن ثمة تحولًا أو تبدلًا في السياسة الفرنسية حيال لبنان، وفي تخلي فرنسا عن مسايرة “حزب الله” والأخذ في الإعتبار خصائص الواقع اللبناني، والإنتقال الى مسايرة الموقف السعودي. فالبيان المشترك عكس الموقف الأقصى السعودي والفرنسي تجاه لبنان، أو بالتحديد تجاه “حزب الله”. وبالإضافة الى شرط الإصلاحات، ثمة شروط أخرى أكثر دقة وحساسية تتعلق بسلاح “حزب الله” ودوره الإقليمي وتطبيق القرارات الدولية.
– الثاني، فإن الموقف السعودي الذي تتبناه باريس حاليًا لا يؤشر، من وجهة نظر حلفاء “حزب الله، الى حلحلة في العلاقات السعودية ـ اللبنانية بقدر ما يؤشر الى تعقيد في الأوضاع اللبنانية الداخلية، لأنه يعيد لبنان الى أوضاع مشابهة لتلك التي سادته في فترة 2004 ـ 2005 عندما طُرح القرار 1559 بتنسيق فرنسي ـ أميركي آنذاك أيام الرئيس جاك شيرا.
يعتبر “حزب الله” أن السعودية نجحت في تحوير المبادرة الفرنسية وفي دفع فرنسا الى تبني مشروعها السياسي. فإذا كان هناك من إتجاه جدي للدخول في مشروع مشترك فرنسي ـ سعودي حول الملف اللبناني، بالإضافة الى ملفات المنطقة، فإن العقبات أمامه كثيرة، كما يرى ذلك بعض الممتعضين من السياسة الفرنسية الجديدة، خصوصا عند البدء بتطبيق الشروط التي وردت في البيان المشترك، لأن “حزب الله” لن يقف مكتوف الأيدي، كما يقول مقرّبون منه، وسيكون له موقف رافض لهذه الشروط.
أمّا مؤيدو المبادرة الفرنسية في لبنان فلديهم نظرة أخرى ويعتبرون أن زيارة ماكرون للسعودية تصب في خدمة الإنفراج اللبناني، وتعطي المبادرة الفرنسية دفعًا جديدًا، وأن ماكرون هو الذي نجح في تغيير الموقف السعودي وفي اجتذاب ولي العهد ليفتح أبواب الإهتمام بلبنان مجددًا.
فهل سيقرأ “حزب الله” البيان السعودي ـ الفرنسي بتمعن ويأخذه على محمل الجد، أم يعمل على إسقاطه، إن لم يكن بالضربة القاضية فعلى الأقل بالنقاط. وقد تكون العودة إلى طاولة مجلس الوزراء الترجمة العملية للنوايا المبيتة؟