أوقفوا تهريب المخدرات قبل أي شيء آخر

8 ديسمبر 2021
أوقفوا تهريب المخدرات قبل أي شيء آخر

لا أستغرب أن ينبري بعض المحللين والمنظّرين المعروفي الإتجاهات والميول والتمويل لتصوير الإتصال الذي تمّ بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أنه مجرد إتصال عادي فرضته ظروف معينة، ولن تكون له بالتالي مفاعيل إيجابية على مستوى تحسّن العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية. لقد هال هؤلاء، أو بالأحرى من يقفون وراءهم ويملون عليهم ما يجب كتابته وفق آلية المصالح المشتركة، وعلى طريقة “عدس بترابو كل شي بحسابو”، كيف تمكّن الرئيس الفرنسي من إقناع ولي العهد على المبادرة وإجراء إتصال بالرئيس ميقاتي، وتأكيده له، وفق ما صرّح به الرئيس ماكرون الذي كان شاهدًا على ما دار بين الرجلين من كلا، أن السعودية تريد أن تفتح صفحة جديدة مع لبنان.

فهذا الكلام المنقول عن ولي العهد السعودي ليس من تأليف وتلحين من لم يكن شاهدًا على كل كلمة قيلت في هذا الإتصال، كما حاول البعض “تأليفه” من عبارات لم ترد على لسان أي من المتصلين، وهي مجرد “فبركات” هدفها الأول والأخير “الحرتقة”، ومحاولة التقليل من أهمية هذه الخطوة، التي لا بدّ من أن تتبعها خطوات لاحقة من كلا الجانبين على حدّ سواء، وذلك من أجل تسوية الأوضاع وإعادة التموضع على أسس واضحة لكي تكتمل حلقات إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، وإلى ما كانت عليه من صفاء.

فما لم يستطع أن يفعله الآخرون نجح فيه الرئيس ماكرون، الذي وضع في رأس أولوياته في زيارته الخليجية ضرورة إيجاد مخرج للأزمة اللبنانية – السعودية، التي تفاعلت مندرجاتها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، بعد تصريح الوزير جورج قرداحي، الذي قدّم إستقالته، والتي شكّلت الدعامة الأولى لنجاح المسعى الفرنسي، وهي إعتُبرت بمثابة حسن نية من قِبَل الجانب اللبناني، الذي لم يألُ جهدًا في مساعيه الرامية إلى ترميم الجسور بين بيروت والرياض بما يوجبه حسن العلاقات بين بلدين شقيقين تجمعهما أكثر من مصلحة مشتركة ويلتقيان على درجات عالية من سلّم قيم واحدة.
قد تكون أولى الخطوات الإيجابية من الجانب السعودي عودة السفير وليد البخاري إلى مركز عمله الديبلوماسي في بيروت قريبًا، على أن يتخذ لبنان من جانبه الإجراءات اللازمة والضرورية لضبط حدوده البرّية والبحرية بكل الوسائل المتاحة من أجل الحؤول دون الإستمرار في “تشريع” عمليات تهريب المخدرات، سواء من لبنان أو عبره، إلى السعودية ودول الخليج العربي، وذلك في إطار خطّة مبرمجة ومحكمة، من حيث التفاصيل والوسائل.
الرئيس ميقاتي سارع فبادر فورًا، وقبل أن تسنح للمصادين في المياه العكرة فرصة التصويب المسبق على ما يمكن تحقيقه من إنجازات، إلى ترؤوس إجتماع أمني وإداري ولوجستي، حيث أعطى تعليماته الواضحة والصريحة والحاسمة والحازمة للوزراء المعنيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية، من أجل وضع خطة سريعة وفورية تهدف إلى وقف عمليت التهريب.
ووفق ما تناهى من معلومات حول ما دار في إجتماع مجلس الأمن المركزي، الذي دعا إليه الوزير المولوي، فإن ثمة تصميمًا من قبل مختلف الأجهزة الأمنية على ضبط الحدود البرّية والبحرية بكل ما لدى هذه الأجهزة من إمكانات، مع فرضية الإفادة من خبرات خارجية في مجال مكافحة التهريب وضبط المعابر، مما يسمح بالتفاؤل كثيرًا في التوصّل إلى نتائج عملية قريبة، على صعيدي منع تهريب المخدرات من لبنان وإليه، وكذلك لضبط حركة المعابر البرّية غير الشرعية بين لبنان وسوريا.
فإذا تمّت هذه العملية بنجاح وبما هو مخطّط لها، فإن الرياض ستبادر لاحقًا إلى إتخاذ بعض الخطوات التي من شأنها تفعيل الإتصالات بين البلدين تمهيدًا لعودة آمنة لعلاقات يُفترض أن تعود إلى سابق عهدها، على رغم محاولات البعض لوأد الإيجابيات.