بهذه الطريقة وحدها تُرفع يد السياسيين عن القضاء

11 ديسمبر 2021
بهذه الطريقة وحدها تُرفع يد السياسيين عن القضاء

الرئيس نجيب ميقاتي يريد أن يعود مجلس الوزراء إلى دورته الإنتاجية اليوم قبل الغد، ولكن ليس بأي ثمن، ومن دون الخضوع للشروط والشروط المضادة، ومن دون الدخول في “بازارت” تسووية لا أساس لها من الصحّة والصدقية.  

فلو أراد المساومة على الثوابت لكان فعل ذلك منذ زمن بعيد. ولو تنازل عمّا يعتبره “خطوطًا حمرًا” لكانت جلسات مجلس الوزراء قائمة.  
قالها أكثر من مرّة. وأسمع الكنّة قبل الجارة كلامًا واضحًا وصريحًا. يريد تطبيق الدستور. لا يتخّلى عن حرف فيه أيًّا تكن الظروف والإعتبارات. لا شيء يضمن إستمرارية الحياة السياسية بمفهومها الديمقراطي سوى التمسّك بما ورد في وثيقة الطائف، نصًّا وروحًا، خصوصًا إذا طُبّق ما لم يُطبّق منه. 
فالدستور الذي ينظّم بالتساوي شؤون الناس وعلاقتهم بين بعضهم البعض من جهة، وعلاقتهم بدولتهم من جهة ثانية، يشدّد على الفصل بين السلطات، وهو مبدأ أساسي من أجل إنتظام العلاقة السوية بين هذه السلطات، التي يُفترض أن تتكامل أدوارها لما فيه المصلحة العامة. فلا السلطة التنفيذية تتدّخل في عمل السلطة التشريعية، ولا تلك لها شأن بالعمل التنفيذي للحكومة ما عدا مراقبة أعمالها ومساءلتها، وعند الضرورة محاسبتها وحجب الثقة عنها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العمل القضائي. 
فلولا التدخلات السياسية على مرّ العصور والعهود في الشأن القضائي لكان القضاء في أحسن أحواله. ولو كان الجسم القضائي محصّنًا بما فيه الكفاية لما سمح للسياسيين بأن يحشروا أنوفهم في شأن من غير إختصاصهم.  
أمّا أن تصل الأمور إلى حدود دفع مجلس الوزراء إلى التدّخل مباشرة في قضية هي من صلاحية سلطة مستقّلة عن السلطة السياسية، أو هكذا يُفترض أن تكون عليه الحال، فإن ذلك يُعتبر من علامات الأزمنة، حيث تختلط الأمور بعضها بالبعض الآخر، فلا يعود يُعرف من هو القاضي ومن هو المتهم. 
فلو أراد الرئيس ميقاتي أن يجاري من أراد إقصاء القاضي طارق البيطار عن ملف التحقيق في جريمة إنفجار المرفأ لكانت الأمور على غير ما هي عليه اليوم. ولكن ما سبق أن رفضه يوم لم يكن على رأس المسؤولية لا يمكن أن يسير به وهو المسؤول الأول عن سياسة الحكومة وتنفيذها، وهذا ما ينصّ عليه الدستور. 
فمعالجة ملف المرفأ لا تكون بالمكابرة ورفع السقوف السياسية، ولا بتعطيل أعمال السلطة التنفيذية، ولا بشّل البلد. فهذه المسألة لها أصولها، وهي متروكة للسلطات القضائية عملًا بأحكام النظام العام الذي به ينتظم العمل القضائي. 
فإذا كانت القرارات والإدعاءات التي يسطرّها القاضي البيطار مسيسة وإستنسابية فإن  لمعالجتها أصولًا، وفق تراتبية هرمية محكمة لا تشوبها شائبة، من حيث مفاعيلها ونتائجها. فإذا ثبت للسلطات القضائية وفق التسلسلية الطبيعية للمسؤولية أن ما يقوم به القاضي البيطار أو أي قاضٍ آخر بما لا يتوافق والأصول الحكمية فإن إقصاءه يتمّ من داخل “البيت القضائي” فقط، وليس عن طريق أي آلية آخرى. 
من هنا يبدأ الإصلاح. ومن هنا أيضًا يمكن الدخول إلى “بيت القصيد” في عملية مكافحة الفساد بطريقة منهجية وعلمية وعملية. ومن هنا أيضًا يمكن العودة الطبيعية إلى إنتظام عمل المؤسسات، وفي مقدمها المؤسسة الأمّ، وهي المتمثلة بمجلس الوزراء، الذي من دونه لا تستقيم الحياة السياسية.  
أتركوا ما للقضاء للقضاء، وأرفعوا أيديكم عنه فيكون للملك أساسه الصالح وغير القابل للمساومات وأنصاف الحلول.