عشية انطلاق عطلة عيد الميلاد، يعود التشكيك بإمكان الرجوع إلى التعليم الحضوري في المدارس الخاصة، إن بسبب كورونا أو الوضع الاقتصادي المأزوم. ويطل “التعليم عن بعد” برأسه من جديد، مع كل ما يحمله هذا الخيار من انطباعات سيئة لدى الأهل، بالنظر إلى فشل التجربة في السنتين الماضيتين والكارثة التي حلت بالمستويات التعليمية من جهة، والاعتراض على دفع قيمة القسط نفسها لقاء خدمة “أونلاين” من جهة ثانية. بعض المدارس أرسلت فعلاً استبيانات للأهل لجس النبض حول العودة إلى التعليم “أونلاين” من دون أن تكون قد اتخذت قراراً نهائياً بهذا الشأن، إنما كتدبير استباقي في حال تطور الوضع الصحي كما جاء في الاستبيان. مدارس أخرى التزمت العطلة الرسمية التي حددتها وزارة التربية، مع “التدريس عن بعد” في بعض أيامها، أو تمديدها احترازياً لأسبوع إضافي تحسباً لخطر الإصابات الناتجة من السفر خلال الأعياد.
التلطي وراء حجة كورونا لا يبدو منطقياً اليوم، بالاستناد إلى أعداد الإصابات “غير المخيفة” في المدارس، وآراء الخبراء الصحيين الذين يرون أن “الجو العام للفيروس لا يفرض علينا الإغلاق”. وفي اتصال مع “الأخبار”، سأل رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا عبد الرحمن البزري: “كيف يمكن أن نفتح البلد ونقفل المدارس؟ وأين سيكون الأولاد خلال العطلة؟ وهل المطاعم والأسواق أكثر أماناً من المدارس؟”. وأشار البزري إلى أن مقاربة الواقع المدرسي يجب أن تنطلق من هدف الحفاظ على العام الدراسي، وحماية الطلاب والمعلمين والأهالي مرتبطة بشكل أساسي بنسبة المناعة المجتمعية، بالتالي فإن الحل لكل المخاوف ليس الإغلاق، إنما ازدياد الإقبال على التلقيح والالتزام بالتعليمات والتوجيهات الوقائية.
رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لمى الزين الطويل، قالت إن “استغلال موضوع كورونا للتحول إلى التعليم أونلاين مرفوض، فالأهل يدفعون القسط والزيادات لقاء تعليم حضوري ذي جودة، وأي قرار يتجاوز الأهل ولجان الأهل سيؤدي إلى التوقف عن دفع القسط، إذ لن نتحمل في التعليم الخاص وزر فشل السلطة السياسية في إدارة القطاع الرسمي”.
هذا في الواقع التعليمي، ولكن ماذا في الواقع الاستشفائي؟ اذ يوماً بعد آخر، تتعمّق الأزمة في “القطاع” التمريضي، بحيث يصبح من الصعب تداركها. وبعد عامين من الانهيار الاقتصادي، يجد الممرّضون أنفسهم بين فكّي كماشة: الهجرة التي يرغمون عليها لتأمين لقمة عيشٍ باتت خارج متناول اليد أو البقاء حيث هم “يخدمون” برواتب لم تعد تساوي حتى الحدّ الأدنى للأجور. فمع انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أصبحت رواتب الفئة الأكبر من الممرضات والممرضين تعادل ما يقرب من خمسين دولاراً يتقاضاها هؤلاء لقاء أعمالٍ باتت “مدوبلة” منذ بداية أزمة كورونا. ولئن كانت هذه الأزمة تؤثر في المباشر على الممرّضين، إلا أن ارتداداتها لا تتوقف عند حدود هذا القطاع، وإنما تؤثّر أيضاً في حسن سير العمل في المؤسسات الاستشفائية وفي نوعية الخدمة الطبية التي تقدمها.
أمس، توقف الممرضون والممرضات عن العمل في كل لبنان. أرادوا من خلال الوقفة الرمزية الاحتجاج على الواقع الذي يختبرونه، حيث لم يعد لديهم القدرة لحمل العبء بلا أدنى مقومات الصمود، وخصوصاً في المستشفيات التي يعمل فيها ما يقرب من 84% من الممرضين العاملين. ففي آخر الإحصاءات الصادرة عن نقابة الممرضات والممرضين، هناك ما يقرب من 9900 ممرضة وممرض من أصل 11829 يمارسون المهنة يعملون في المستشفيات، وهم اليوم الفئة الأشدّ ضرراً مما يجري. ولئن كان هذا الرقم لا يشمل “الهاربين” من الانهيار الذين تقدّر النقابة عددهم حتى اللحظة بـ 2000 ــــ وهو ليس رقماً نهائياً ــــ إلا أن ما يعانيه البقية منهم في المستشفيات يكاد يكون أقسى من الهجرة نفسها، حيث يضطرّون إلى القيام بمهام مضاعفة بسبب تضاؤل الأعداد. ففي وقت تقرّ فيه القوانين الطبية بـ”خدمة” ممرضة لكل 7 مرضى في الأقسام العادية في المستشفيات، وممرضة لكل 3 مرضى في أقسام العناية، تبدو “الآية” معكوسة هنا، حيث يتضاعف الحمل على الممرضة لتصبح مسؤولة عن 15 مريضاً أو في أحسن الأحوال 10 مرضى، على ما تقول نقيبة الممرضات والممرضين الدكتورة ريما ساسين. وتنتج من هذه المعادلة جملة تأثيرات، فعدا عن الضغط النفسي والجسدي الذي تتعرض له الممرضة، ثمة ما هو أخطر، وهو “التأثير على جودة العناية التمريضية”.