لعل أخطر ما يواجهه لبنان اليوم هو أن أحدا من أركان السلطة فيه غير مستعد للتواصل مع الآخر للبحث في المخارج أو في إمكانية الوصول الى تسوية مشتركة تساعد على التخفيف من الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يدفع سعر صرف الدولار الأميركي الى الجنون، ويضع لبنان على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة ويقود الشارع الى ما لا يُحمد عقباه.
في الوقت الذي تفتش فيه دول العالم عن كل الوسائل لمساعدة لبنان على تخطي أزماته، وترسل بعض الدول موفديها للاطلاع على خطة التعافي الاقتصادي والتحضيرات الجارية لاطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.. وفي الوقت الذي ينتظر فيه اللبنانيون وصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية لزيادة التغذية الكهربائية ورفع ظلم أصحاب المولدات وظلام التقنين الكارثي عنهم، وتنتظر دول العالم من السلطة الحاكمة إتخاذ قرارات إصلاحية وتدابير حازمة لابعاد شعبها عن شبح الجوع والفقر الذي بات يستوطن كل بيت، تبدو هذه السلطة مفككة بالكامل يغني كل مَنْ فيها على ليلاه، فيما بات بعضها أسير مواقفه وشروطه التي تمعن في تعطيل الدولة وشلّ مؤسساتها، ومضاعفة الأزمات التي تجتاح البلاد بطولها وعرضها.
يمكن القول، إن “الفرامل” التي وضعتها الحكومة عند تأليفها للحؤول دون الوصول الى الارتطام المدمر، بدأت تضعف على وقع الضربات المتتالية التي تتلقاها بشكل يومي، وذلك جراء الخلافات المستحكمة المتداخلة بين السياسة والانتخابات والقضاء، إضافة الى تصفية الحسابات، ومحاولات إستمالة الشارع وسد الفجوات الشعبية التي كشفتها التقارير والاحصاءات التي وصلت مؤخرا الى عدد من التيارات التي رفعت من منسوب تحريضها السياسي والطائفي والمذهبي، من دون النظر الى التداعيات الكارثية الناتجة منها.في غضون ذلك، فإن الجهود التي بذلت وما تزال من لتحضير العديد من الملفات وتسيير الشؤون المعيشية للمواطنين قد بلغت ذروتها وباتت بحاجة ماسة الى إنعقاد جلسة لمجلس الوزراء لاقرارها ووضعها موضع التنفيذ، ولملاقاة الدعم الدولي والعربي بأشكاله المختلفة وإتخاذ التدابير اللازمة لترجمته، لكن حتى الآن وبالرغم من كل المساعي المبذولة ومحاولات تدوير الزوايا تبدو المعالجات غير ناضجة ما يؤشر الى كثير من التأزم لا سيما في ظل المواقف التصعيدية التي عادت لترخي بثقلها على الأجواء السياسية.
ربما إعتاد اللبنانيون في كل مرة تصل فيها مساعي التسوية الى الطريق المسدود، على فتح أبواب الحوار سواء داخليا في قصر بعبدا أو عين التينة، أو خارجيا كما حصل في العام 2008 في الدوحة..
لكن من الواضح أن كل دول العالم لديها من الأزمات والمشاكل ما يحول دون قيامها بأية مبادرة من هذا النوع، فيما الحوار الداخلي مقطوع بالكامل، ولعل ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون أمس خلال إستقباله نقابة محرري الصحافة اللبنانية، بأن “المتحاورين باتوا يحتاجون الى تغيير وأنا منهم، لأن الحوار فيما بينهم لم يفض الى أي نتيجة إيجابية على مدار ثلاثين عاما”، يعطي دلالة واضحة الى تدهور العلاقة بين أركان السلطة، ويشكل إعترافا من رئيس البلاد في نهاية عهده، بفشل الطبقة السياسية مجتمعة وبضرورة تغييرها، ما من شأنه أن يعرقل الوصول الى المعالجات والحلول المطلوبة، فيما الجميع ما يزال يعوّل على صبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في تسيير الأعمال الحكومية عبر اللجان والاجتماعات الوزارية والتصدي للأزمات ولنقمة الشارع، إلا أن الصبر له حدود!…