هذا ما فعله الدولار … لبنان “عصفورية”!

16 ديسمبر 2021

 
لا يمكن بكلامات قليلة التعبير عن وجع الناس وقلقهم، وهم الذين باتوا يعيشون كل يوم بيومه، بل كل دقيقة بدقيقتها. 
فأخبار الدولار المتفلتة أسعاره والضاربة صعودًا تسابق الحلول التي كانت ممكنة قبل ساعات ولم تعد صالحة الآن. هذا على إفتراض أن ثمة حلولًا معقولة أو ممكنة، أو ثمة من يريد أن يرى هذا البلد خارجًا من حفرة الأزمات التي لم يعد في إستطاعتنا عدّها وحصرها.

فكل الأخبار السياسية “تسدّ النفس”، وتدعو إلى اليأس والقنوط. هذا يريد إنعقاد مجلس الوزراء بمن حضر. وذاك يرفض الحضور ما لم يُقبع القاضي طارق البيطار من “شلوشو”.
اما رئيس الحكومة الذي يريد عودة إنتاجية سريعة لمجلس الوزراء، اليوم قبل الغد، فيضرب الأخماس بالأسداس ويزين الأمور بميزان الجوهرجي. فإذا دعا إلى جلسة للمجلس، وهذا ما يطالبه به “التيار الوطني الحر”، الذي يريد تصفية بعض الحسابات الصغيرة مع “حزب الله”، حليفه الإستراتيجي، فهل تُحّل المشكلة أم نذهب إلى مشكلة أكبر؟
صحيح أن إنعقاد مجلس الوزراء في هذه الظروف غير الطبيعية التي يعيشها البلد قد أصبح أكثر من ضرورة، ولكن ما العمل في حال أصرّ الفريق الذي يربط مسألة حضوره بمسألة قضائية لا علاقة للحكومة به، لا من قريب ولا من بعيد؟ فهل تقضي الحكمة بأن نتداوى بالتي كانت هي الداء؟ هل المطلوب أن نفقد الحكمة ونتعاطى مع كبائر الأمور بخفّة وسطحية وبشيء من الغرائزية؟ 
الا يكفي المواطن تعتيره وبلواه وتخبّطه العشوائي حتى أصبح يمشي في الطريق وهو يحادث نفسه بنفسه؟ الا يكفيه أنه رضي بالهمّ، والهمّ لم يرضَ به؟ 
ما شاهدناه عن دهم أحد المصارف بقوة السلاح بهدف السرقة، وكنا نشاهد ذلك بالأفلام فقط، سيكرر وستتصاعد وتيرته، وهذا ما كنا نتخّوف منه، حين كنا نقول أن الجوع كافر، وأن ربّ العائلة الذي يرى أطفاله يموتون جوعًا سيضطّر إلى السرقة والنهب لإطعامهم. وهنا ندخل في فوضى لم نشهد مثيلًا لها حتى حين كان المنطق الميليشياوي هو المسيطر.
أخشى ما نخشاه أن نصل إلى اليوم الذي قد يتحوّل فيه لبنان إلى “حارة كل مين أيدو ألو” تمامًا كما سبق أن صورّ ذلك “غوار الطوشي” منذ سنوات بعيدة، أو أن نصبح نعيش في “عصفورية” كبيرة تمتد على مساحة الـ 10452 كلمترا مربعًا.
وحيال هذه الموجة الهستيرية تسارعت الاجتماعات لضبط الفلتان الصاعق لسعر الدولار في موازاة الليرة، خوفًا من  تفشي الفوضى والتي بدأت بوادها بالظهور في اكثر من منطقة.الموضوع لم يعد محصوراً فقط بالتداعيات المالية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الإنهيار المتدحرج، وهي تداعيات خطيرة ومقلقة، بل إتسع أيضاً، ليشمل الجانب الأمني – الاجتماعي وما يمكن ان ينشأ عنه من فوضى أمنية يصعب ضبطها. هذا  المشهد بدا جليًا في ظل اشتعال سعر الدولار من جهة، وبداية حصول مؤشرات على تفلت أمني يستهدف المصارف والمتاجر مع حادث محاولة السرقة المسلحة التي استهدفت فرع مصرف “بيبلوس” في الزلقا، كما مع حادث سطو مسلح على متجر لبيع أجهزة الهاتف الخليوي في سن الفيل في وضح النهار، كما مع معالم نزول متجدد وفوضوي إلى الشارع وقطع الطرق في موسم الأعياد بما ينذر بمزيد من شلّ الحركة.ومع امكانية ارتفاع منسوب هذا النوع من عمليات السطو والفوضى الامنية نظرا إلى الظروف الاقتصادية المتردية بغياب أي حلول وتحليق سعر صرف الدولار الذي بلغ في الساعات الماضية مستويات خيالية فإن التخوف من توسّع رقعة الفوضى الأمنية قد أصبح معمّمًا لدى المراجع الأمنية، التي سبق لها أن حذّرت من وصول البلاد إلى هذا المستوى من التفلت الأمني – الإجتماعي.وبعد كل هذا لا يزال البعض يتصرّف سياسيًا وكأن البلاد بألف خير، وأن أمور الناس على خير ما يرام، وان بامكانه تعطيل البلد والمؤسسات او تصفية الحسابات السياسية والانتخابية.