كتبت زيزي اسطفان في “نداء الوطن” فساد من كل صوب، وأزمة تضيق عليهم الخناق، أعداء من حولهم وبحر من أمامهم فأين المفر؟ المفر ليس بعيداً، وجده اللبنانيون مرة جديدة في الجزيرة الصديقة التي طالما استقبلتهم في أزماتهم. قبرص التي عاشت أزمة مماثلة لأزمة لبنان منذ بضع سنوات، فهمت معاناة اللبنانيين وفتحت لهم أبوابها فهربوا بأموالهم وبأرواحهم وبأبنائهم من جحيم لبنان اليوميّ وقيود مصارفه وغياب كهربائه وضبابية حاضره ومستقبله الى ملاذها الآمن فأفادوا واستفادوا.
بين قبرص ولبنان تاريخ يعود الى حوالى ألف سنة، فأول هجرة لبنانية الى قبرص كانت من شمال لبنان منذ 1100سنة حيث استقر المهاجرون الشماليون الموارنة في شمال الجزيرة وأعطوا اسماء قراهم لقرى أنشأوها هناك فصارت كور البترونية كورماكيتي القبرصية، وهناك سكن الموارنة وصاروا جزءاً من النسيج القبرصي وانشأوا لهم أبرشيات وكنائس. ومنذ ذلك الحين نُسجت عادات مشتركة بين الشعبين كلبس الشروال ووضع “القمطة” على الرأس وجمعتهم ثقافة متقاربة. وعلى مر القرون بقيت قبرص ملجأ للبنانيين تستقبلهم كلما عصفت أزمة ببلادهم.
وفي خضم تخبط لبنان في أزمته المصرفية الخانقة استطاع الحاج موسى من خلال خبرته المصرفية في لبنان ومعرفته بالسوق المالي والمصرفي القبرصي ان يقدم خدمة جديدة للبنانيين فتحت لهم أبواب المصارف القبرصية الذين هم في أمس الحاجة إليها. فقد سهل للبنانيين المقيمين في لبنان من أفراد وشركات عملية فتح حسابات لهم في المصارف القبرصية من دون الانتقال المكلف الى قبرص ليتمكنوا من تسيير أعمالهم ولا سيما بعدما فرضت المصارف اللبنانية القيود على أموال اللبنانيين وعلى التحويلات وكل المعاملات المالية. وقد اتاحت هذه الخدمة للبنانيين امكانية وضع أموالهم التي يحتفظون بها في البيوت في المصارف هناك واتاحت للشركات إمكانية إدخال وإخراج الأموال لتسهيل حركتها التجارية لأن لا شركة يمكنها ان تعمل بلا مرجعية مصرفية تشكل هويتها المالية. وهكذا استطاعت المصارف القبرصية الحلول محل النظام المصرفي اللبناني في كثير من الأوجه وشكلت مصدر أمان لأصحاب الأموال الذين يعملون خارج لبنان ويجهلون اين يضعون أموالهم وللبنانيين الذين يريدون التخلص من عبء حفظ أموالهم في البيوت وللشركات التي تسعى للحصول على تعامل مصرفي سليم بدل ان تضطر للتعامل بالكاش دولار كما هي عليه الحال اليوم في لبنان. ويؤكد الحاج موسى أن المصارف القبرصية سهلت من خلال هذه الخدمة عملية فتح الحسابات للبنانيين وإعطاء قروض للراغبين في شراء شقق او في الدراسة في قبرص، وذلك لأنها تتفهم مخاوف اللبنانيين من جهة وتستفيد من فتح الحسابات من جهة أخرى. وبهذا اصبح للبناني امتداد مالي ومصرفي في قبرص وبعد ان كان “سيدها” صار ” يطبل في عرسها” ويبحث عمن يسد له الفراغ المصرفي الخانق في وطنه.
رغم عدم سهولة انتقال الشركات الصغرى الى قبرص نظراً لغلاء الإيجارات فيها وكلفة المعيشة باليورو إلا أن بعض الشركات الكبرى استطاعت أن تبني لها امبراطورية هناك وقد تميزت إحدى الشركات المالية الكبرى وكذلك إحدى شركات التطويرالعقاري في الجزيرة إضافة الى شركات استشارات هندسية ومالية وبعض الشركات التجارية. من هنا كان لا بد من أن نسأل نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين عن واقع حال السوق العقاري في قبرص فشرح لـ”نداء الوطن” أن الحضور اللبناني كان الأبرز في القطاع العقاري أولاً لأن المطورين العقاريين استسهلوا العمل في قبرص التي لا تبعد اكثر من عشرين دقيقة عن لبنان ولأن الزبائن اللبنانيين يرغبون بالحصول على منزل في بلد قريب من لبنان. في بداية الأزمة استفاد الكثير من اللبنانيين من شراء الشقق في قبرص بواسطة شيك مصرفي ( ورغم غياب الأرقام إلا أن البعض يقدر عدد الشقق المباعة ب500 شقة) وذلك لتهريب أموالهم من المصارف اللبنانية اما اليوم فلم يعد الأمر معقولاً مع تغير قيمة الشيكات المصرفية وارتفاع الأسعار. لا شك أنه لا يزال ثمة من يشتري شققاً إنما العدد محدود ومعظمهم ممن لديه قدرة شرائية بالدولار الكاش.بالنسبة للمطورين العقاريين فإن شركات التطوير العقاري العاملة في قبرص لا تتعدى الخمس ومنها واحدة كبيرة ومشاريعها مهمة تستهدف بمعظمها الزبائن الأوروبيين والصينيين وزبائن اوروبا الشرقية الى جانب اللبنانيين وقد ساهمت إحدى هذه الشركات بتطوير مدينة لارنكا ونقلها من خلال نوعية المشاريع العمرانية فيها من مستوى الى آخر أما بقية العاملين في القطاع العقاري فهم مستثمرون يقومون بذلك على صعيد فردي وبرأسمال محدود. ويرى موسى ان الصيت أكبر من الحقيقة وذلك لأن أموال شركات التطوير العقارية محتجزة في المصارف اللبنانية ما يصعب عليها التوسع في مشاريعها وهذه الحركة العقارية لم تعد بفائدة كبيرة على لبنان كما يشاع لكن ما يمكن التأكيد عليه ان قبرص استفادت من الأزمة اللبنانية كما في كل مرة بعد أن عرفت على خلاف لبنان كيف تتخطى أزمتها بالعمل والشفافية.